طلال سلمان

من غزة هاشم إلى عُمان قابوس: نحن بخير.. طمنونا عنكم!

يحمل الجريح أخاه الشهيد إلى المستشفى المزدحم بالجرحى، يسلمه إلى من فيه، ويعود متعجلاً حتى لا يسبقه إلى مكانه عند خط المواجهة احد، فيقذف حجارته التي أعدها لاستقبال جنود العدو..

هي حجارة مباركة ، كالأرض التي انغرست فيها لتحمي زرعها..

هي “صلاة الجمعة”… فإذا تيسرت الحجارة فهي صلاة الظهر من كل يوم.

العرب في حال غياب. اعتقلتهم انظمة القمع جماعياً حتى يقسموا على نسيان فلسطين ومعها العدو الاسرائيلي والخبز والحرية والتحرير.. وفلسطين جميعاً، ومعها سيناء وتيران وصنافير والجولان ونهر الاردن ومزارع شبعا الخ.

يقعي العرب على أقفيتهم امام شاشات التلفزيون، يتفرجون على الأخبار.. يستمعون إلى ترجمة تصريحات دونالد ترامب ويتأملون ملامح وجهه الاحمر تحت شعره الابرص، ثم يستمعون إلى تهديدات باراك نتنياهو “ضدهم” من “عواصمهم” العربية: القاهرة، عمان، ثم مسقط الذي احترف سلطانها الوساطات الصامتة، قبل أن يقبل بأن يظهر علناً وهو يصافح رئيس حكومة العدو بحرارة.. ولعله اطلعه على اسم ولي عهده الذي لم يعرفه احد، خصوصاً وانه لم يتزوج ولم ينجب، ولم يغادر سلطنته (التي كانت، ذات يوم، امبراطورية تمتد إلى قلب آسيا وتضم بين “مستعمراتها” اندونيسيا، فضلاً عن بعض انحاء شرقي افريقيا، تنزانيا والصومال وجيبوتي الخ..)

يتفرج العرب على نوع جديد من الملاحم: يرون جمال خاشقجي داخلاً إلى القنصلية السعودية في اسطنبول، ويقبعون على اقفيتهم منتظرين خروجه منها فلا يخرج.. ويختفي الرجل، ولا تظهر جثته، وتوفد المملكة المذهبة “من يحقق” فلا يجد للجريمة اثراً… لكن حكومة اردوغان تجد فرصتها الممتازة لبيع الجثة بدل المرة مرات: للسعودية اولاً، مع شطارة في “تبرئة الملك شخصياً”، ثم اشتراط تسليمها بعثة القتل الذي قتلوا الخاشقجي وقطعوا جسده إرباً، ثم ذوبوها بالأسيد قبل أن يخرجوا بما تبقى منها في صناديق سياراتهم الدبلوماسية…وكل هذا قبل أن تبيع الجثة للولايات المتحدة الاميركية ولأوروبا ولروسيا الخ..

يتفرج العرب على اللقاء الامبراطوري، تحت قوس النصر الذي بناه نابليون في قلب باريس، والذي دعا اليه الرئيس الفرنسي ماكرون، الحلفاء والاعداء، في تلك الحرب التي دمرت فرنسا، وانتجت معاهدة سايكس- بيكو لتقسيم المشرق العربي بين دول الاستعمار بريطانيا التي حظيت بفلسطين فوعدت بها، عبر وزير خارجيتها اللورد بلفور للمشروع الاسرائيلي..

..وتكريما لهذا “الوعد” كان بين المدعوين بنيامين نتنياهو جالساً بين “اصدقائـه العرب”: ملك المغرب، ومن يمثل تونس، والرئيس المكلف بتشكيل حكومة لبنان السيد سعد الدين الحريري، وبالتأكيد من يمثل مصر وتونس واقطار عربية أخرى… فاذا كان الاعداء بالتاريخ برغم التلاصق الجغرافي قد خرجوا من حروبهم التي استمرت مئات السنين، فلا بأس أن يخرج العرب من عدائهم العابر لإخوتهم اليهود، وهم “ساميون” مثلهم!

*****

الغارات الاسرائيلية على غزة هاشم في فلسطين لا تتوقف: ما أن تغيب الطائرات الحربية حتى تعود لتقصف اسباب العمران، من بيوت فقيرة، وفروع الجامعات القليلة، وبعض البساتين التي انبت الفلاحون اشجارها في الرمل..

… والحرب في سوريا وعليها مستمرة، تدمر البشر والحجر وتنهك “قلب العروبة النابض” بعنوان دمشق وحمص وحماه وحلب ودير الزور والقامشلي ودرعا الخ…

والعراق الخارج من دكتاتورية صدام حسين إلى الاحتلال الاميركي فإلى المستنقع الطائفي، تحول فيه الصراع من السياسة إلى الطائفية وذكريات الماضي “السعيد”، فيعجز عن تشكيل حكومة جديدة متوازنة الاجنحة والتمثيل الطوائفي… وتتفجر البصرة، عاصمة النفط وملتقى النهرين (اللذين تكاد تجفههما تركيا!..) وأرض الشعر والخصب، تشكو الفقر والحرمان، وتخرج فيها التظاهرات الغاضبة، والموصل التي ما تزال نصف مهدمة، والفرات قد نقصت مياهه إلى النصف، نتيجة السدود التركية التي احتجزت مياهه التي كانت تجعل من هذه المدينة العاصمة الثانية لدولة هارون الرشيد، بعدما كانت في العصور القديمة احدى مراكز الكون.

في هذا الوقت بالذات تعجز الطبقة السياسية في لبنان، المرتهنة لجهات عدة، اجنبية وعربية، عن تشكيل حكومة جديدة، ولذا فهي تلجأ إلى السلاح القذر اياه: الطائفية والمذهبية.. مع وعيها أن تلك الطريق إلى الفتنة وليس إلى حكومة الوحدة الوطنية.

نحن، جميعاً بخير… طمنونا عنكم!

تنشر بالتزامن مع السفير العربي

 

 

 

Exit mobile version