من زمان، لم يعد الاغتيال وسيلة لتغيير النظام، حتى لو بدا وكأن كل السلطة في يد الحاكم، ملكا كان ام رئيسا، فان الاغتيال قد يذهب بالشخص لكنه غالبا ما يؤدي الى تثبيت النظام، والأهم: الى تعميق السياسات الخاطئة التي تكتسب حصانة استثنائية كونها قد عُمِّدت بالدم!
تكفي تجربة اغتيال السادات، شاهدا ودليلا.
لقد ذهب الرصاص بأنور السادات، لكن الصلح المنفرد بقي، والعلم الاسرائيلي، بقي يرفرف في القاهرة، مستدرجا عواصم عربية اخرى لأن ترفعه فيها،
بل ولأن تعتمد »نهجه« الذي بات الآن سياسة لا تقبل النقاش، لدى معظم الأقطار العربية.
واثبتت التجربة المرة ان السادات لم يكن شخصا بل كان حقبة كاملة، وانه محصلة مرحلة وعنوان مرحلة أخرى هي النقيض على طول الخط لما كان.
الاغتيال لا يحل مشكلة اختلاف الزمان والمفاهيم، بل انه يزكي الطرف المدان بالخطأ. فالقائل بالتغيير مراهن على فهم اعمق، وانتماء اصيل الى مجتمعه، ومؤهل وقادر على طرح سياسة شاملة يواجه بها السياسة الخطأ المعتمدة. انه قادر على تحويل الحلم الى خطة عمل تستقطب الناس الى اعادة بناء المجتمع من المدرسة الى الجامعة، ومن المزرعة الى المصنع، ومن معهد الابحاث الى كتابة الشعر، ومن احترام التراث الى اقتحام الغد بالعلم، مع إعداد البديل للأطر البالية القائمة على مستوى الدولة ومؤسساتها كما على مستوى القيم الاجتماعية السائدة.
ومن حظ مصر ومحصلة نضال شعبها ان محاولة اغتيال الرئيس حسني مبارك قد فشلت. فكائنا ما كان الرأي في السياسة التي يعتمدها هذا العسكري الذي اقتحم ميدان السياسة على غير استعداد، وبغير أحلام تقريبا، فإن التصحيح لا يكون بالرصاص، والديناميت قد يفجر سيارته لكنه لا يفتح طريق المستقبل للمصريين بل هو قد يغلق منافذ الضوء المبشرة به.
التغيير يجيء من قلب مصر، من داخل المصريين، بتكويناتهم السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية… لا هو يفرض فرضا بالارهاب الفكري، ولا يتم عجائبيا بالاغتيال الفردي.
وحسني مبارك، بكل عيوبه، أفضل من هذا البديل الذي لا يملك غير الرصاص يوجهه ليس فقط الى رموز النظام بل أساسا الى كل من يختلف بالرأي معه.
وليس بالمصادفة ان بين من يختلف معهم هذا البديل المعتم، الخصوم الفعليين لنظام حسني مبارك والجوهري من سياسته، أو من استخصمهم، يستوي في ذلك ان تكون اسماؤهم فرج فوده او نصر حامد ابو زيد او خالد محي الدين او محمد حسنين هيكل او البابا شنوده او حتى فؤاد سراج الدين والكثير من دعاة الاسلام المستنيرين!