طلال سلمان

مع سليم نصار: خارج الموضوع..

عرفت الزميل الكبير سليم نصار كاتباً في “النهار” وفي “الحياة”، ومن سوء حظي اننا لم نلتق في دار الصياد حين استجاب لرغبة استاذنا معا، الراحل الكبير سعيد فريحة فتولى، ولو مؤقتاً، رئاسة “الشبكة” بعدما كان محرراً في “الصياد”.. كذلك فان من سوء حظي انني لم اتمكن من مرافقته في رحلاته التي جاب خلالها عواصم العالم والتقى العديد من الشخصيات المؤثرة على القرار الدولي، وبالتالي على الحاضر والمستقبل في الوطن العربي..

ولقد اجبرت ظروف الحرب المفتوحة في لبنان وعليه، سليم نصار على الاستقرار مع عائلته في لندن، وهكذا كان على ابن الكورة أن يتأقلم مع بلاد البرد والضباب، كدار ضيافة للقادمين اليها، مع حرص على الاستمرار في كتابة مقالته الاسبوعية في “الحياة” ـ “النهار”.

في الكتاب “خارج الموضوع” الصادر عن دار الجديد، مجموعة من المقالات والمقابلات مع كبار غادروا عالمنا هذا، بينهم برتراند راسل ونلسون مانديلا ورتشارد نيكسون وابنة ستالين وطبيب ماوتسي تونغ وغيرهم ممن اسهموا في كتابة التاريخ المعاصر..

صدر الكتاب الجديد ليضيف إلى متذوقي كتابة سليم نصار ما يعيد الاعتبار إلى الحكاية والطرفة والذكاء الذي يستشف اعماق من يحاروه.

هنا ننشر، كنموذج “ذكريات لقائي مع نيكسون”


مذكرة صادرة عن مكتب الرئيس ريتشارد نيكسون

بتاريخ 13 حزيران ( يونيو) 1983

يستقبل الرئيس نيكسون السيد سليم نصار الساعة الثانية عشرة من يوم الخميس الموافق 16 حزيران في مكتبه الواقع في الشقة الرقم 1309 من بناية فيدرال بلازا.

ليس للرئيس أي تحفظ على نوع الاسئلة، ولكنه يفّضل عدم استخدام مسجلة. وللمزيد من الالمام بمواقف الرئيس وانجازاته السياسية، نقترح مشاهدة فيلم وثائقي في المكان ذاته، بعد ظهر الاربعاء، أي قبل اجراء المقابلة.

ملاحظة اخيرة: رئيس البروتوكول في البيت الابيض لست سنوات نيكولا روي، سيؤدي دور المنسّق.

هاري دالزال ـ باين

أذكر انني عملت في حينه بنصيحة مدير مكتب الرئيس المستقيل، بحيث إنني أمضيت أكثر من ساعتين في مشاهدة الفيلم الوثائقي الذي يغطي إنجازاته السياسية والاقتصادية خلال وجوده في البيت الابيض.

يتحدث نيكسون في هذا الفيلم عن عدد من القضايا المهمة التي نجح في معالجتها، وبينها: اسرار محادثات باريس للسلام والمفاوضات الصعبة التي قادها الديبلوماسي فيليب حبيب انتهت بإسدال الستار على حرب فيتنام.

بعد حديثه المسهب عن الصين، وكيفية استغلال الانفتاح السياسي عليها من اجل ارغام الاتحاد السوفياتي على اجراء مفاوضات الوفاق الدولي، روى تفاصيل المؤامرة ضد الليندي في التشيلي سنة 1970، كما حذر في مسلسله المتلفز من اندلاع حرب جديدة في منطقة الشرق الاوسط. كذلك هدد اسرائيل بقطع المساعدات عنها إذا ما استمرت في بناء المستوطنات فوق اراضي الضفة الغربية المحتلة.

في الحديث الذي تجاوز الساعة المحددة، لمستُ رغبة الرئيس في الاسترسال بدفاع عن خطأ ووترغيت.
ووصف كتاب سيمور هيرش عن سنوات حكمه بأنه كان قاسيا ومسيئاً.

كان هيرش يعمل في صحيفة نيويورك تايمز. وهو يزعم أنه أمضى أربع سنوات كاملة في الإعداد لمؤلفه: ثمن السلطة. وادعى ايضاً أنه أجرى مقابلات مع ألف شخص للحصول على مستندات سرية. وانتهى بعد الاطلاع عليها إلى اتهام هنري كيسنجر بالاحتيال وبالتآمر على رئيسه. في الوقت ذاته، أثبتت تلك المستندات أن وزير الخارجية ظهر متخاذلاً امام السوفيات، وضعيفاً جداً اثناء محادثات الحد من الاسلحة الاستراتيجية.

في الكتاب، يعطي هيرش أدلة وقرائن على شخصية كيسنجر المشبعة بالغرور والتناقض. وكان من نتيجة خلافه الدائم مع نيكسون في أيامه الاخيرة ان حول البيت الابيض إلى حُجر معزول تعشش فيه أفاعي المكائد والشائعات الخبيثة.

يروي المؤلف بعض الحكايات عن تحول شخصية نيكسون وسط هذا الجو الموبوء، الأمر الذي دفعه إلى إدمان شرب الشمبانيا، والخلود إلى النوم باكراً بسبب السكر والخوف من الموظفين والخدم في ضبطه مخموراً.

يخلص الكاتب إلى القول إن كيسنجر استغل هذه الاجواء الملبدة ليقترف جرائمه السياسية بهدوء ومن دون رقابة.

ولما سُئل، أن يقول رأيه في مضمون الكتاب، اعترف بأنه كان مطلعاً على اساليب كيسنجر وعلى إزدواجية ولائه، وخصوصا في الأيام الاخيرة من ولايته. بحيث انه كان يقدم لصديقه المليونير نيلسون روكفلر خدمات مضاعفة لما يقدمه في البيت الأبيض.

واعترف بأنه هو الذي اختاره لاقتناعه بذكائه. وقال إن هنري يحاول باستمرار ممارسة تفوقه الفكري على أي رئيس يشعر بأنه من دون مستواه في مضمار العمل السياسي.

في كتابه الثالث، وعنوانه قادة، ينصح ريتشارد نيكسون كل قائد بأن يعرف متى يحارب ومتى ينكفئ… متى يمارس التهديد والقسوة ومتى يساوم ويحاور… متى يتسلح بالصمت ومتى يستخدم سلاح الكلمة.

ولقد أثبت خلال حديثه معنا أنه هو الذي اختار موعد اللقاء في تاريخ انفجار فضيحة ووترغيت ـ أي في السادس عشر من حزيران (يونيو). ربما لأن هذه الذكرى لم تعد تؤرقه وتقلقه بعدما خرج من “بيت الرعب” وقرر مواجهة الرأي العام من جديد!

قبل أن نودعه ونستأذن بالانصراف، سألناه رأيه في مستقبل الحرب اللبنانية… تأخر في إيجاد الجواب، كأنه يتذكر الاحداث الاخيرة التي عصفت بلبنان في شهر حزيران (يونيو) 1983، وما نتج من المفاوضات التي اجراها الدبلوماسي الاميركي اللبناني الاصل فيليب حبيب. ثم قال بلهجة ملؤها الحسرة: لبنان هذا البلد العظيم، هذا الشعب العظيم أن مأساته جريمة ضد الانسانية جمعاء. لقد زرت لبنان، والتقيت رئيسه الراحل فؤاد شهاب، وتعرفت إلى العديد من أهله. كنت نائباً للرئيس إيزنهاور عندما قررنا ارسال المارينز إلى لبنان سنة 1958. وأتذكر انه جرى إنقاذ البلد خلال تلك المرحلة من دون أن نفقد جندياً واحداً. إنني استغرب ما يحدث في البلد الاكثر تقدماً وتطوراً في المنطقة.

كوابيس ووترغيبت!

ولسبب أجهله حدد لي مساعده الخاص نيكولا روبي موعد المقابلة يوم السادس عشر من حزيران (يونيو) عام 1983، وهو يوم الاكتئاب والندم والتأمل بالنسبة إلى الرئيس الاميركي.

ففي هذا التاريخ من عام 1973 اكتشف حراس الحزب الديموقراطي في مجمع ووترغيبت في واشنطن خمسة رجال يحاولون التسلل إلى الداخل لسرقة مستندات الحزب. لقد أدت اعترافاتهم إلى إنفجار ازمة ثقة بين سيد البيت الابيض من جهة، والكونغرس والصحافة من جهة أخرى، انتهت بعد 783 يوما إلى استقالة الرئيس في التاسع من آب (أغسطس) 1974.

السبب أن التحقيقات التي نشرها الصحافيان بوب وودورد وكارل برنشتاين أظهرت أن الحادث يتجاوز بأبعاده سرقة مكاتب الحزب الديموقراطي، بل هو من نتائجه السياسية أخطر على النظام من مختلف التجاوزات لأنه يحدد العلاقة بين مهمات الرئيس ومناقبية الممارسة. من هنا عدت محاولة السرقة، بمعرفة نيكسون وموافقته، خطيئة كبيرة لأضخم دينونة تعرض لها رئيس أميركي، لذلك قدم استقالته وقرر الانسحاب والاعتزال والنفي الاختياري بعدما حطمت فضيحة ووترغيت سمعته السياسية والشخصية، ودفعته إلى العيش وحيداً بحيث عومل طوال السنوات الثلاث الأول كمنبوذ يُمنع الاقتراب منه.

قال لي فوصف تلك المرحلة المظلمة من حياته السياسية إن صاحب أحد المطاعم في منطقة جورجتاون اعتذر عن عدم خدمته لأن الصحافي برنشتاين ألغى حجزه عندما اكتشف أن الرئيس المستقيل يتناول طعام العشاء مع زوجته في المكان ذاته. ووصف بصوت حزين كيف اضطر الى الانسحاب من المطعم تحت وابل من النظرات الشامتة المهينة. في مناسبة اخرى روى لي ايضا أن وكلاء إحدى العمارات في نيويورك رفضوا بيعه شقة بحجة أن السكان لم يوافقوا على وجودهم بينهم. وجاء في قرار تبرير الرفض أن المالكين يعدون مجاورته خطراً على حياتهم، وسببا لانخفاض قيمة العمارة.

سألته اثناء الحديث عن كيفية انبعاثه من المدفن السياسي العميق، وكيف نجح في عملية رد الاعتبار لدوره السابق بحيث تحول إلى رئيس منبوذ إلى شخص اخر يفرض احترامه على المجتمع الذي طرده من سدة الحكم.

أجاب من دون تردد انه تعلم درس الصبر والمثابرة من الرئيس الصيني ماو تسي تونغ، الذي اثبت أن مسيرة الالف ميل تبدأ بخطوة واحدة، شرط أن يستعيد الانسان ايمانه بنفسه ولو اضطر إلى السير وحيداً في صحراء الحياة الموحشة المقفرة.

ووصف مرحلة رد الاعتبار بقوله: “لم اخرج من منفاي الاختياري في سانت كليمانت على شاطئ الباسيفيك الا بعد استعاد نفسي دام أربع سنوات. كانت اطلالتي الأولى عل الناس عبر محاضرات مثيرة عدها النفاد الاكثر رواجاً وشهرة. فجأة فتحت امامي هذه المحاولة كل الابواب الموصدة وأعادتني إلى مسرح الاحداث والأضواء، ومنحتني اسباباً تخفيفية لمغفرة خطايا البيت الابيض، وكن من نتيجة هذه الـ”قيامة” انني تلقيت دعوات رسمية من حكومات سبع عشر دولة زرتها العام الماضي”.

عدت اسأل الرئيس نيكسون عن كيفية تجاوزه فضيحة ووترغيت، وما إذا كان باستطاعة الكونغرس والشعب الاميركي محوها من الذاكرة الجماعية.

اجاب بلهجة الواثق: “يجب أن تعرف جيداً أن القادة العظماء الذين حولوا مجرى التاريخ ليسوا بالضرورة اشخاصاً طيبين حسني السمعة والسيرة: قيصر روسيا بطرس الاكبر كان من أهم الاصلاحيين، ولكنه في الوقت ذاته كان طاغية. ومثله كان يوليوس قيصر ونابليون وستالين وماو تسي تونغ. جميع هؤلاء نزلوا في الكتب كقادة تاريخيين غيروا مجرى الاحداث”.

ثم أكمل: “أنا أجهل حتى الآن ماذا سيكتب المؤرخون عني. ولكني على ثقة بأنني انا الذي اتخذت قرار سحب قواتنا من اوحال فيتنام، وانا الذي دشنت انفتاح اميركا على الصين منهياً بذلك اربعة عقود من الكراهية والخلاف، وانا الذي أرسيت دعائم الوفاق الدولي مع بريجينيف سنة 1972. لهذه الأسباب وسواها قبلتُ التحدي ورفضت أن انزل في كتب التاريخ كبطل فضيحة ووترغيت، بل كرئيس ساعد على هندسة الوفاق الدولي على اسس استفاد منها الرؤساء من بعدي ليعززوا دور الولايات المتحدة ومكانتها بحيث اصبحت الدولة العظمى الأولى في العالم”.

كان هذا اللقاء درسا تعلمت منه أن الانسان يستطيع الانتصار على المآسي شرط الا يستسلم لضغوط الخوف واليأس. كما تعلمت أن الهروب من المشكلة يزيدها تعقيداً… وأن التصدي لها هو أفضل وسائل الدفاع والحماية من العذاب المتواصل. يقدم الينا هذا المثال الصارخ البرهان الساطع على أن الناس لا يحترمون الا الذي يحترم نفسه ولا يقدرون من البشر الا الشخص الصبور المثابر والمحتفظ بمشاعر الكبرياء.

حدث اثناء المقابلة أن سألته عن الدور الحقيقي الذي أدّاه وزير خارجيته في سورية. وعلى الفور طلب من الزميل باسم المعلم إقفال آلة التسجيل كأنه يتذكر المؤامرة التي حاكها كيسنجر من اجل اجهاض مساعيه مع الرئيس حافظ الاسد.

في 16 حزيران (يونيو) 1974 زار نيكسون دمشق يرافقه كيسنجر. استقبلهما الاسد في مكتبه وراح يشرح لهما قبوله للقرارين 242 و338 واستعداده للسلام مع اسرائيل، شريطة أن تنسحب إلى حدود ما قبل حزيران (يونيو) 1967 وتعيد الى الفلسطينيين حقوقهم.

في كتابه عن حافظ الاسد، يبُرز الكاتب والصحافي البريطاني باتريك سيل تلك اللحظات بكثير من الاسهاب والدقة. قال إن كيسنجر تدخل ليمنع تطور المحادثات الايجابية بين نيكسون والاسد، وراح يصرخ: “سيدي الرئيس… إننا مضطرون إلى المغادرة إلى اسرائيل. لقد دهمنا الوقت. إن الطائرة تنتظرنا”.

عندما حاول نيكسون استئناف الحديث، وجد نفسه يتعرض للمقاطعة من جانب وزير خارجيته الذي قال إن من الافضل تأجيل البحث في هذه القضية حتى عودتك إلى واشنطن.

لكن العودة إلى واشنطن شهدت نهاية الرئيس الذي وقع اتفاق انفراج العلاقات مع الاتحاد السوفياتي، وفتح ابواب بلاده على صين ماو تسي تونغ.

في تصوره أن تلك الفضيحة ظهرت أعراضها في أزمة الشرق الاوسط، بحيث نسفت محادثاته مع الاسد، ومنعت تحقيق الوعد الذي يضمن انسحاب اسرائيل من الجولان.

بعد مرور اربعين سنة على تلك الفضيحة، ظهر في واشنطن موظف مسؤول في مكتب التحقيقات الفدرالي (أف بي آي) يُدعى مارك فيلت، ليؤكد انه الشخص الذي يقف وراء تلك الحادثة، وأعلن، بحضور وودورد وبرنشتاين، انه كان يلتقي بوب في مرآب للسيارات تحت الارض، ليزوده بالمعلومات، لكن لم يكشف عن الجهة التي كلفته اداء هذا الدور المريب.

ثم تبين لاحقاً أن فيلت كان خيطاً في شبكة عنكبوتية واسعة تضم الجاسوس جوناثان بولارد وغيرهما ممن يعملون لمصلحة اسرائيل.

طفولة معذّبة!

إحتفظ ريتشارد نيكسون بذكريات طفولته، وأهمها حادثة سقوطه تحت عجلة عربة خفيفة يجرها جواد صغير. وكان عمره ثلاث سنوات عندما انقلبت به العربة مع سائقها في حديقة الالعاب. وقد ترك سقوطه على الارض جرحاً عميقاً في راسه اضطره إلى تمشيط شعره الى الوراء بغرض تغطيته وحجبه عن الانظار.

في وصفه لحالاته المتقلبة، كان نيكسون يتخذ من تلك الواقعة مثلاً لتكرار سقوطه ونهوضه. وربما نزل في سجلات التاريخ السياسي الاميركي كأول شخص يُنتخب مرتين لنيابة الرئاسة… ثم يُعاد انتخابه للرئاسة مرتين ايضاً.

وكان يفاخر بنجاحه في سحب القوات الاميركية من فيتنام، وفي فتح اول بوابة للحوار مع الصين الشعبية، وعقد اتفاقية مراقبة التسلح مع الاتحاد السوفياتي.

وعلى الرغم من تحقيقه تلك المنجزات، فإن الرأي العام يتذكره كبطل فضيحة ووترغيت، وكأول رئيس اميركي استقال وسط حملة من الخزي والعار!

السمعة الدامغة التي ميزت فترة نيكسون كانت مشبعة بآلام الفقر والمرض والعمل الشاق، وخصوصا أن والده فرانك كان معروفاً بخلقه الضيق، وباستعداده الدائم لافتعال النزاع مع الآخرين. ولما انتقل مع عائلته من اوهايو إلى كاليفورنيا سنة 1907 اكتشف أن تبديل المكان لم يغير من طبيعته النزقة.

في سنة 1913 انجبت الوالدة حنة طفلها الثاني ريتشارد. وكانت معروفة في الحي بأنها سيدة فاضلة، تقية تنتمي إلى طائفة كويكارز المشهور بشدة المحافظة والتدين.

وعندما بلغ نيكسون (ديك) الثانية عشرة من عمره، توفي شقيقه آرثر بداء السحايا. وبعد مرور فترة قصيرة مات شقيقه الاكبر هارلد الذي كان يعاني مرض السل. وبسبب الديون المتراكمة على الوالد، اضطر إلى طلب المساعدة من ابنه الوحيد. لهذا قرر التخلي عن منحة دراسية في جامعة هارفرد، وبقي في كلية هويتير. في ذلك الوقت، أعلنت جامعة ديوك افتتاح فرع للمحاماة. وكان ذلك من حظ الشاب ريتشارد نيكسون الذي انتقل إلى القسم الداخلي بقسط لا يزيد على خمسة دولارات في الشهر. وقد ساهم معه طالب آخر في دفع ايجار غرفة صغيرة كانت تضاء على الشموع لأن الكهرباء لم تكن قد وصلت الى الكلية بعد.

عقب تخرجه من الجامعة وانخراطه في الحياة السياسية، تلقى نيكسون الكثير من عروض التوكيل لدى الشركات التجارية والصناعية بينها شركة بيبسي كولا.

وعندما زار لبنان، بعد انتخابه نائـبا للرئيس ايزنهاور، حرص النائب توفيق عساف وكيل شركة بيبسي كولا، على تقديمه إلى الرئيس فؤاد شهاب.

ولما سألت نيكسون عن الانطباع الذي حمله عن شهاب، قال إنه انتقد سياسة الولايات المتحدة، لكونها انحازت إلى اسرائيل، الأمر الذي سمح للاتحاد السوفياتي بالتسلل إلى المنطقة.

وفي مذكراته يشير نيكسون إلى حكاية غرامه بزوجته ثلمى ريان. وقال إنه التقاها لأول مرة اثناء حضوره إحدى المسرحيات. واستمرت فترة الخطوبة سنتين قبل أن يطلب يدها سنة 1940. وبسبب عجزه المالي، اضطرت العروس إلى شراء خاتم الزواج من مدخراتها.

بعد الانتكاسة الحربية التي اصيبت بها البحرية الاميركية في بيرل هاربور، شعر نيكسون بأنه مدفوع للمشاركة في قوة الدفاع المرابطة في جنوب بالباسفيك. وقد عين ضابطا في قسم التموين. وعندما انتهت الحرب، وعاد الجنرال دوايت ايزنهاور إلى البلاد ليمارس دوراً جديدا في العمل السياسي، ابتسم الحظ للمحامي الطموح. لذلك استقال من مشيخة كاليفورنيا، وراح يسوق شعارات الحزب الجمهوري بما يتلاءم مع قناعاته. وكانت اطلالته الخارجية الأولى عبر المعرض التجاري الذي اقيم في موسكو سنة 1959. وفي ذلك المعرض ناقش المحامي الشاب (39 سنة) الزعيم السوفياتي نيكيتا خروتشيف حول أهمية اجهزة المطبخ الاميركي ومدى تطوره وتميزه عن المطبخ السوفياتي.

ونقلت وسائل الاعلام تفاصيل ذلك النقاش الحاد الذي اظهر للرأي العام الاميركي أن نيكسون جدير بالائتمان على تفوق الرأسمالي امام تحديات النظام الشيوعي.

في آخر شهر نيسان (ابريل) من عام 1994 نقل نيكسون إلى مستشفى نيويورك سيتي نتيجة اصابته بغيبوبة عميقة فشل الاطباء في انقاذه منها.

Exit mobile version