طلال سلمان

»معلمي« فوزي عابد

ما أكثر الأساتذة وما أقل »المعلمين«.
ما أكثر حملة الشهادات وما أقل المكلفين أنفسهم بحمل الرسالة التربوية.
ما أكثر أصحاب الألقاب الفخمة المداخيل، وما أقل أولئك الذين ظلوا يعطون حتى عجز الجسد، بالقلب فيه والفكر والذهن، عن متابعة العطاء، فتهاوى تحت وطأة افتقاد الدور أو القصور في أدائه.
ولقد »ذاب« فوزي عابد، »المعلم«، المنتدب نفسه للرسالة التربوية، المعطي من نفسه لغيره بغير حساب، حتى لم يتبق منه ما يعطيه فانسحب مخلياً المكان لمن يستطيع أن يكمل المسيرة في خدمة أبناء الفقراء الذين يتكدسون أمام باب العلم في انتظار من يفتحه لهم فيجلون ويتفوقون.
وليس بولاء التلميذ لمعلمه، أو من خلال إعجابه به كقدوة، أشهد لهذا الفارس من الثلاثي عابد (عارف وحليم وفوزي) بأنهم أصحاب الفضل في نشر الوعي والمعرفة في منطقة تمتد من حدود بيت الدين إلى نيحا وباتر في الشوف عندما تطوعوا لتحويل مدرسة المختارة الرسمية الابتدائية إلى تكميلية، وعندما أطعموا التلامذة من نور عيونهم حتى وفروا لهم فرصة النجاح، وبالتالي فتحوا أمامهم أبواب التحصيل العلمي على مصراعيه.
إنهم ثلاثة من »الشهداء« الأبرار، وإن كان كبيرهم الأستاذ عارف ما زال يقاوم بكبده المعتل، ويحاول أن يعطي ما لديه حتى النفس الأخير.
وما هي الشهادة غير أن تبذل نفسك من أجل جيل أفضل بقدرات أعظم لتحقيق غد أفضل للوطن وأهله؟!
إن جيلاً كاملاً من أبناء تلك المنطقة يحمل في صدره، إلى جوار القلب، أسماء هؤلاء الثلاثة الذين فتحوا أمامه أبواب الدنيا الجديدة، أبواب الغد البهي، أبواب المعرفة بالذات وبالآخر، بلا تعصب ولا أحقاد، بلا طائفية ولا مذهبية.
رحم الله »المعلم« فوزي عابد، ونتمنى أن نستحق شرف أننا تتلمذنا عليه في الأخلاق بداية كما في بذل النفس من أجل هدف سام، ولو شحت الإمكانات. لقد ظل يعطي حتى الرمق الأخير فرحل صامتاً، وما كان أكثر ما يمكن أن يقول.

Exit mobile version