كان “العربي” الذاهب إلى القاهرة يصلها متهيباً ضخامتها وجسامة دورها الذي لا تنازعه فيه اية دولة عربية أخرى.
أما اليوم فلا ترى “مصر التي في خاطري” في قاهرة المعز ومحمد علي وجمال عبد الناصر وسعد زغلول وسيد درويش، قاهرة احمد شوقي وخليل مطران وحافظ ابراهيم وطه حسين والعقاد وفاطمة اليوسف ونجيب محفوظ واحسان عبد القدوس واحمد بهاء الدين وصلاح جاهين واحمد حجازي وبهاجيجو.. ولا قاهرة عبد الرحمن الابنودي وسيد حجاب واحمد فؤاد نجم والشيخ امام.
بالتأكيد هناك جيل جديد من المفكرين والكتاب والروائيين والشعراء. لكن العرب خارج مصر لا يعرفون عنهم ما يكفي، بل قد لا يستذكرون حتى اسماءهم لأنهم ليسوا نجوماً في التلفزيون. ولا هم استعراضيون في مواسم المهرجانات الخليجية لتوزيع جوائز الثقافة على الشعراء والروائيين وكتّاب القصة القصيرة او الرسامين المتميزين، وخصوصاً اولئك الذين يبدعون قصصا ورسوما للأطفال.
القاهرة اليوم مجموع المساحة التي تراها من الطائرة قبيل هبوطها: مدن شتى تقتحم الصحراء وتعلو جبل المقطم فتخفي قلعة محمد علي، وتنداح ما بين الاهرامات والمدينة الاعلامية ممتدة بأضوائها عبر الصحراء، تماما كما من الجهة الأخرى مغادرة ضفاف النيل إلى طريق الاسماعيلية حتى تكاد تبلغها.
انها مدينة الثلاثين مليونا او يزيد، بأطواق الفقراء من حولها الذين لا يشملهم احصاء، ولا يقدم العقل او الملاحظة الدقيقة جوابا على سؤال يفرض نفسه: كيف تعيش هذه الملايين التي لا يشمل جميعها أي احصاء مهما بلغت دقته؟
غابت النكتة التي كان ملايين القاهرة (بل مصر) يسرون بها عن همومهم فيضحكون في قلب الفقر، واثقين أن الله رزاق كريم، وان الاحوال سوف “تتعدل” غداً..
والانتظار مهنة الاكثرية في مصر، باعتباره عنوانا للصبر..
ويبدو انه قد غدا الآن مهنة الثلاثمائة مليون عربي!