طلال سلمان

مراقبون دوليون بين لبنان وفلسطين

ليس سراً، على لبنان تحديداً، أن واشنطن هي التي ضغطت فخضع لها »الآخرون«، وأولهم فرنسا، وتم التعديل في نص قرار التمديد لقوات الطوارئ الدولية العاملة في الجنوب بما كاد يجعله نصاً مضاداً لمضمون القرار 425 وليس توكيداً أو متابعة لتنفيذ مضمونه الأصلي.
ليس أخطر ما في التعديل إنقاص العديد (4500 حالياً) إلى ألفي جندي وضابط، برغم غياب التبرير، بل أنه يبدل في مهمة هؤلاء »الدوليين« إذ يحوّلهم إلى »مراقبين« مجرد مراقبين، ومن جهة واحدة، لخط افتراضي ليس هو الحدود تماماً، ولم يكن في أي يوم معبراً لجيوش لبنان الجرارة لاحتلال إسرائيل.
فالشريط الذي »يستضيف« هذا الطابور اللجب من »المراقبين« يشكل رقعة ضيقة من الأرض اللبنانية (في الجنوب أساساً)، ظلت تحت الاحتلال الإسرائيلي لمدة 22 سنة ونيف، وفيها القوات الدولية »تراقب« القصف اليومي وتساعد في سحب جثث الشهداء من تحت الأنقاض، وفي إطفاء الحرائق ونقل الجرحى وتوزيع المساعدات على المنسوفة منازلهم والمتلفة محاصيلهم، دون أن تستطيع أو تحاول أن تمنع اجتياحاً واسعاً أو اختراقاً ضيقاً في الجو أو في البحر أو البر،
مع ذلك فقد احتضنها لبنان، شعباً ودولة، وعاملها بالامتنان والإكرام، وما زال، مقدراً لها تعاطفها وتعاونها، مفترضاً أنها قد عرفت ومن ثم أبلغت مجلس الأمن الدولي والأمين العام كوفي أنان، بما يعرفه العدو المحتل عن أن ليس في تلك الرقعة من الأرض أو عليها أي مفاعل نووي (مثل ديمونا) أو أية قواعد لصواريخ برؤوس ذرية أو أية مطارات لطائرات أسرع من الموت.
في الوقت ذاته عطلت واشنطن وما تزال تعطل »الرغبة الدولية« الأوروبية أساساً، والعربية ضمناً (ولو على خجل) في تلبية »الرغبة الأخيرة« للفلسطينيين الذين حكم عليهم أرييل شارون بالإعدام، وذلك بإرسال عدد محدود من »المراقبين« العزَّل لكي يكونوا شهوداً خُرسا (حتى لا نقول: شهود زور) قد يفيد وجودهم في التخفيف وبحدود من البلاء الإسرائيلي ولكنه لا يملك رده.
المشكلة المأساة هناك، في قلب فلسطين، وليست على »الحدود« مع لبنان… فهناك تهدر إسرائيل الدم الفلسطيني كل ساعة، وتتصرف »دولتها« بوحشية متناهية فتعلن قوائم الاغتيال من مناضلي تلك الأرض الباسلة بلا خجل، ثم تطاردهم واحداً واحداً بالطائرات والصواريخ لتقتلهم بدم بارد، وجهاراً نهاراً، وتجرف المنازل والبساتين وتقصف »الورش« ومقار الشرطة، وتحرق الأشجار وتقطع الطرق بالحواجز المسلحة والسدود الترابية وعصابات المستعمرين الذين »يستوطنون« بالقوة بيوت أصحاب الأرض والبيوت ويشكلون »الجيش الإسرائيلي الثاني« المطلق اليد والبندقية والخنجر والسراح.
مع ذلك ترفض واشنطن، خضوعاً لرغبة شارون، ايفاد »مراقبين« يمثلون »المجتمع الدولي«، دون أي الزام أو التزام، ودون أي أفق أو ارتباط لوجودهم بحل سياسي قد يتخذ شكل العودة الى طاولة المفاوضات عبر »احياء« الاتفاقات العديدة التي كانت تشكل اطاراً لحماية معنوية يمكن ان »تعيش« في ظلها »سلطة وطنية فلسطينية«، ولو كوعد أو كمدخل إلى الكيان السياسي العتيد.
أما في حالة لبنان فإن واشنطن ضغطت على حلفائها وأصدقائها فساعدوها على »تحوير« في مفهوم القرار 425، يكاد يقارب التزوير، إذ انه يفصل بين السبب والنتيجة، أي بين العمل لإخراج الاحتلال الإسرائيلي، وهو علة وجود القوات الدولية، وبين مساعدة السلطة اللبنانية على استعادة أرضها المحتلة وبسط سيادتها عليها.
وخلافاً للنص الصريح، بل لحق لبنان الصريح في ان يكون له رأيه في قرار يتصل بسيادته على أرضه، فقد أصرت واشنطن على موقفها ومطلبها في ان تصير القوات الدولية المكلفة الاشراف على تنفيذ قرار لمجلس الأمن، مجرد »مراقبين« يراقبون لبنان واللبنانيين وحدهم (؟) من فوق الأرض اللبنانية وحدها ولسبب غير مفهوم.
ان هذا التحوير يشكل خروجاً على القرار 425 نصاً وروحاً، ويمكن قراءته وكأنه تحد للسلطة الشرعية في لبنان وتجاوز لها، وقد اتخذ في غيبتها وضد ارادتها محدداً لها كيف تمارس سلطتها على أرضها!
أكثر من ذلك: انه يزور الجغرافيا فيجعل من »الخط الأزرق« حدوداً دولية، بينما هو »خط افتراضي ومؤقت« تم اعتماده بالاتفاق مع السلطة اللبنانية في انتظار الوصول الى »اتفاق سلام« او »تسوية سياسية« شاملة للصراع يمكن بعدها وفي ظلها تثبيت »الحدود الدولية« التي ما زالت اسرائيل تنتهكها،
كان لا بد من »خط« يعتمد في غيبة »اتفاق السلام«، فتم التوافق مؤقتا وضمن الظروف القائمة على خط تقريبي، لكنه ليس الحدود تماماً.
هذا بغير ان نذكر »مزارع شبعا« وموقف لبنان الثابت من انها بعض ترابه الوطني التي لم يتم اجلاء المحتل الاسرائيلي عنها بعد، وبالتالي فإن مقاومته فيها شرعية ومشروعة بكل المعايير والاعراف… الدولية.
ان هذه القوات تتموضع على الجانب اللبناني من الحدود، وكأن لبنان هو الذي كان يحتل »أرضا اسرائيلية« وهو الطرف العسكري الاقوى الذي يخيف اسرائيل وتحتاط لاحتمال هجوم مدمر يشنه عليها تحت مظلة دعم اميركي (ودولي) غير محدود.
اما اسرائيل، بجنودها ومستوطنيها القتلة، فتمنع حتى »المراقبة« فيها وتسجيل الوقائع، حتى لا تشوه صورتها الحضارية، كقلعة الديموقراطية في الشرق الهمجي المتخلف.
ان الفلسطينيين منذورون للموت، ويجب الا يراقب احد القتلة او يشهد عليهم،
واما اللبنانيون الارهابيون بالفطرة فمصدر خطر ليس على اسرائيل وحدها بل على السلام العالمي والحضارة الانسانية، ولذلك يجب وضع لبنان تحت الوصاية والحجر عليه بالمراقبين الدوليين يرصدون نواياه العدوانية وأفكاره التوسعية وترتيباته السرية الشريرة!
ان هذا التحوير في القرار الدولي يبدو وكأنه يمهد »لحرب تدخل« في لبنان، ويشجع اطرافاً وقوى لبنانية على التحرك والانقضاض على »السلطة الشرعية« مطمئنة الى دعم دولي مفترض وحماية اسرائيلية مباشرة.
انها معركة جديدة تفرض على لبنان (وسوريا) في ظل تخاذل عربي مهين عن مواجهة حرب الابادة التي تشنها اسرائيل ضد شعب فلسطين.
انها جبهة جديدة تفتح لإراحة اسرائيل وارباك العرب (واللبنانيين من ضمنهم)…
ومن أسف ان قوى محلية عديدة تعتبرها فرصة للربح او تسجيل النقاط استعداداً لمستقبل »التغيير« الذي قد تستولده السياسة الاميركية التي املت التحوير او التزوير في القرار الدولي الذي كان منسيا فصار هاجسا يتعذر نسيانه.

Exit mobile version