طلال سلمان

مدينة الكورونا.. بلا روح!

صباح كل يوم اجول، راكبا سيارتي، في بيروت التي يشغلها صمت الفراغ، لان الخوف من وباء كورونا يحتجز الناس في بيوتهم: المحلات التجارية، بما فيها المطاعم والمقاهي ودور السينما (والمسرح) يجللها الصمت. السيارات القليلة تعبر بسرعة، وعيون السائقين تتطلع بدهشة وشيء من الخوف إلى الشوارع التي كان يملأها العابرون والمتسوقون والسياح والفضوليون والشبان الذي واعدوا صديقاتهم في مقاهي الحمراء او عند أطراف ساحة الشهداء أو في باب ادريس، ومجمل الشوارع التي تحمل أسماء القادة العسكريين في الحرب العالمية الاولى، وفيهم من احتل لبنان وسوريا وسائر الارض العربية … تكريما لبطولاتهم.

ليس للفراغ اذنان، هو يبث الصمت فقط، والخواء مزعج، خصوصا لمن عاش فعرف هذه المدينة التي لا تنام والتي ترطبها مواعيد العشق ولقاءات المحبين، والتي يختلط فيها التجار والسماسرة وسياح الجزيرة والخليج، وقد “تنكروا” بالبدلات وربطات العنق حتى لا يبتزهم “ملوك السوق” فيبيعونهم ما ليسوا في حاجة اليه من اسباب الراحة ووسائل الرفاه.

طيور الحمام الصغيرة تسرح وتمرح، مطمئنة في ساحة رياض الصلح، وصولاً إلى ساحة البرج، التي ازيلت منها ـ بوحشية ـ شعارات الثورة الشعبية التي تفجرت في 17 تشرين الاول 2019 وما تزال مستمرة، وان جمد نشاط الثوار فيها وباء كورونا.

تخوض السيارة في قلب الفراغ، فاذا عبرت سيارة اخرة نظر اليك ركابها بدهشة وبادلتهم الدهشة يخالطها شيء من الانس في الساحتين اللتين كانتا تعجان بآلاف المتسوقين والعابرين والمتفرجين على ما تبقى من المدينة التي كانت عاصمة الثقافة والمتاجر الانيقة والفنادق الفخمة والمسجد الكبير بمئذنته العالية التي اضطرت وجهاء الموارنة الى رفع قبة كنيسة مار مارون المجاورة، حتى لا يعلو صوت الآذان على دوي جرس الكنيسة فتكون فتنة.. سعى إلى منعها الراحل ميشال اده لتحقيق المساواة بين الاذان ودوي اجراس الكنيسة.

يلتهم الفراغ جمال المدينة. المدينة بأهلها، بازدحامهم، بتنوع أزيائهم واهتماماتهم، بالأطفال الذين يتفرجون مزهوين على نوع العابرين والعابرات وواجهات المحلات متعددة البضائع ومغريات الشراء.

تقصد إلى باب ادريس، ثم تهرب من فراغه إلى كورنيش المنارة: اختفى المتنزهون والمتريضون وعشاق المصادفة.. بالأمر، وفرغ الشارع العريض بجانبيه لصوت امواج البحر وهي تتهاوى مفتقدة السابحين وصيادي الاسماك بشباكهم او بالصنارة التي يرمونها ثم يكملون أحاديثهم مع رفاقهم في انتظار أن تهتز عصا الصنارة فتمنحهم الرزق.

الشوارع تفتقد السابحون ويخوت الاثرياء وشبكات الصيادين او صناراتهم..

والصمت مضجر..

والمدينة بصمتها تتحول إلى خيام على الشاطئ بلا روح.


لقد جاء المستعمرون، بعضهم خلف بعضهم، ثم احتفلنا بجلائهم متتابعين..

متى تستأنف الحياة مسيرتها، فنعود اليها وقد اسقطنا الخوف والوهم وعدنا نكمل عشق الحياة حتى النفس الأخير… بعد أن نهزم “كورونا” وسائر الامراض؟!

الحياة حلوة… شرط أن يُسمح لنا بأن نعيشها!

Exit mobile version