طلال سلمان

مختلفون في راي متفقون ضد حرب

لن يتكرر »13 نيسان«. لن يمشي اللبنانيون، مرة أخرى، الى قبورهم بأقدامهم. لن يئدوا أبناءهم والأحفاد. لن يدمروا مدنهم وقراهم الجميلة. لن يحرقوا البيوت والأشجار والعصافير وأحلام الصبايا. لن يتركوا المصالح والأغراض تستثير غرائزهم وأحقادهم لتأخذهم من جديد الى الانتحار الجماعي.
لن يكون في حاضرنا أو في مستقبلنا »13 نيسان« آخر. لن تعود ولن نسمح بأن تستعاد الحرب الأهلية. »13 نيسان« واحدة تكفي لتدمير أمة عظمى فكيف بوطن صغير، وبشعب أفراده جبابرة في طموحاتهم وخلاقون في اجتهاداتهم وخارقو الذكاء في ما يتصل بمصالحهم و»تدبير الحال« التي تستعصي على أي تدبير!
لن يعود اللبنانيون، الذين لم يشتهر عنهم عظم التدين، الى السقوط في فخ الفتن الطائفية أو المذهبية. هم يعرفون الآن، بدليل من دمائهم المسفوحة هدرا، أن نشر التعصب استثمار سياسي، وأن الشعار المذهبي يستخدم بوصفه الطريق السريع الى المصالح الحرام!
سيختلفون في آرائهم وأفكارهم وعقائدهم السياسية، كما كل الشعوب، وربما أكثر. ولكنهم سيتفقون دائما على أمر واحد: عدم الذهاب الى الحرب، مرة أخرى. ستتعدد الاجتهادات والتقديرات في السياسة كما في الاقتصاد كما في الاجتماع كما في التربية. ولسوف يعبّر كل منهم عن وجهة نظره ولسوف يسمع من الآخر (أخيه) وجهة نظر مناقضة، وكذا من زميله أو جاره أو رفيق دراسته. لكنهم لن يحتكموا الى السلاح لحسم الاختلاف. فالسلاح يقود الى العداء لا الى الحل ويدمر الجميع وليس بعضهم، وفي الحرب الاهلية ليس من منتصر، بل الكل مهزوم.
سيختلفون فيتحاورون وقد يقنع بعضهم بعضا، وقد لا يتفقون تماماً إلا على أنهم مواطنون متساوون، لا فضل لأكثرية على أقلية، ولا خوف تعانيه الأقلية من الأكثرية، والكل أقليات لا تنكر واحدة منها الأخريات، ولا ظلم أو غبن أو طغيان أو تحكم باسم الامتياز أو الضمانة… فكلٌ ضامن وكل مضمون.
لن ينقسموا الى جبهتين تتراشقان بأسباب الموت… بل سيسعون الى حياة أفضل لجميعهم.
سيختلفون بغير ان يذهبوا الى الحرب التي لا عودة منها. يعرفون يقيناً، الآن، وبعد كل التجارب السوداء التي تشكل في جانب منها اهانة لذكائهم فضلا عن كونها استهانة بحياتهم، ان هذا الوطن الصغير يتسع لهم جميعاً، بل هو لا يكون إلا بهم جميعاً. من يحاول إلغاء الآخر فإنما يلغي نفسه ويلغي الوطن ودولته. فلبنان المتنوع هو الضرورة، وهو الرسالة، وهو الشهادة للأمة بالتحضر والوعي والحس الديموقراطي العميق، وليس بالتسامح او بمجرد قبول الآخر، خصوصاً انها لم تشهد في تاريخها الطويل حروباً دينية بين ابنائها…
وهم قد اختلفوا وسيختلفون على سوريا ومعها بغير ان يمتشقوا السلاح ليحلوا مسألة سياسية لا طريق لحلها إلا الحوار المتكافئ الذي يراعي ويحقق مصالح الاخوين الشقيقين.
وهم قد اختلفوا ولعلهم سيختلفون على الفلسطينيين ومعهم غداً. لكنهم سيظلون على وعيهم بأن اسرائيل هي العدو والمواجهة معها وليس مع اخيهم »اللاجئ« الذي هو مثلهم في موقع الضحية، وأنهم طرف في »القضية« ومن مصلحتهم التفاهم مع شريكهم الفلسطيني لا الاشتباك معه بما يضيع حقوقهما معاً.
هم الآن يعرفون كثيراً. يعرفون عن الدول والقيادات والاحزاب والمراجع والطوائف والمذاهب. يعرفون ابطال الفتن التي تتحول الى صفقات والدماء التي تتحول الى حسابات سرية في المصارف البعيدة عن العيون والرقابات.
ثم إنهم يحبون الحياة، وقد باتوا بعد المحنة يحبونها اكثر… ويعيشونها ويتذوقون طيباتها ويشربون رحيقها حتى الثمالة!
فلنقهر خوفنا من الحرب بمزيد من حب الحياة.
ولنقهر الفتنة بالإيمان بالوطن. فمصلحتنا في الوطن، في انتظام شؤون دولته وفي عصرنة مؤسساته وفي احترام إرادة ابنائه، على اختلافهم.
لتكن الذكرى مناسبة لإعلان الخروج نهائياً من منطق الحرب وكأنها الحل. وحدنا لا نحتاج الى من ينبهنا الى غباء القرار بمحاولة حل الخلاف السياسي بأدوات الحرب…
سنختلف كل يوم، ولن نذهب الى الحرب ابداً.

Exit mobile version