طلال سلمان

محمد الساحلي: رحيل الطليعة

في منتصف الخمسينات وبينما مدينة الهرمل غارقة في سباتها، مثلها مثل منطقتها (البقاع الشمالي بلاد بعلبك)، مستسلمة لليأس وتحالف الاقطاع العشائري مع التخلف ومع الاهمال الرسمي المقصود، تلاقى مجموعة من الفتية النابهين والذين كانت تيسرت لهم فرصة لتحصيل بعض التعليم، بعضهم في حمص وبعضهم الاخر في دمشق، واقلهم في بيروت، على حلم التغيير.
رياض طه كان الابرز، لانه كان قد شق طريقه الى الصحافة، لكن كوكبة من الفرسان كانوا يكملون المهمة بالمواجهة »على الارض«: وكان محمد نايف الساحلي رفيق سلاح ممتازا، وكذلك عبد الخالق محفوظ وعشرات من الشباب الذين بدأوا حركتهم برفض الاعتراف بالالقاب التي تضع سدودا بين »العامة« و»المشايخ« و»البكوات«.
اليوم نودع ثالث هؤلاء الفرسان: لقد رحل »ابو نوار« بعد مواجهة مضنية اخرى مع الخيبة والمرارة وافتقاد النصير السياسي المبدئي واخيرا المرض الذي جاء على الارجح كنتيجة لذلك كله.
بدءا من انتخابات 1957 التي خاضها رياض طه باسم تيار التغيير، وحتى اوائل السبعينات وهؤلاء الشباب يحاولون وسط مناخ شعبي ملتهب حماسة للتغيير، ثم تصدمهم »مقتضيات« اللحظة السياسية، فيعجزون عن الوصول، وان لم يعجزوا عن كسر هيبة الاقطاع، اقله على المستوى الاجتماعي، وفتح الطريق امام الاجيال الجديدة نحو العلم والتقدم والمستقبل الذي يليق بكرامتهم الانسانية.
وبرغم النجاح الذي حققه محمد الساحلي كمحام، والذي اوصله الى مجلس نقابة المحامين اكثر من مرة، والى الاتحاد العام للمحامين العرب في موقع الامين العام المساعد، فقد كانت تحيره تلك »الارادة« التي تمنع على اهالي منطقة بعلبك الهرمل اختيار ممثليهم في الندوة النيابية وفق معايير سياسية واضحة. وكان يرفض التفسير الواقعي الذي يقول ان »اللامنتمي« اسهل قيادا، وان »العشائري« اقل كلفة، وان الاقل ثقافة ومعرفة هو الاقرب الى قلوب اهل السلطة لانه لا يسأل ولا يناقش ولا يعترض.
رحم الله »ابا نوار« الذي شكل مع رفاقه طليعة سياسية ثقافية اجتماعية في منطقة هي الاغنى بالرجال ولكن رجالها لا يقبلون رسميا الا اذا تنازلوا عن انفتهم وتنكروا لاهلهم.
والعزاء ان الجيل الذي اخذ عن رياض طه ومحمد الساحلي وعبد الخالق محفوظ في طريقه لان يكون الاكثرية في منطقته، ولان يصبح اخيراً طرفا مؤثرا في القرار، وان لم يمسك به تماما.

Exit mobile version