طلال سلمان

مبادرة اميركية مفاوضات بين سفاحين شهداء

تستطيع الكوميديا اللبنانية السوداء أن تنتظر… فما يحدث عند أبواب بيوتنا وداخل وجداننا متصلاً بصيغة مستقبلنا فوق أرضنا أخطر بكثير من هذا الذي يشغل السلطة عندنا فيجعلها تضيق بترف الديموقراطية، فتلجأ إلى قمع غير مبرر لمعارضة لا تعرف كيف تُولد، وإن وُلدت فكيف وأين وبمن ومن أجل ماذا تدفع بتجمعاتها المتعددة الأعراق والأغراض والأهداف، والتي كانت بحاجة إلى مثل هذه الكفاءة عند السلطة لكي تصبح حركة أو تياراً مذكوراً..
إن دم الشهادة يجرف المنافسات والمناكفات ويجبر الجميع على الانتباه إلى مركز الحدث في هذه المنطقة المضيعة رأسها وطريقها، ففلسطين بما يحدث فيها وما يدبر لها هي »القضية« وما عداها تفاصيل للتسلية في أوقات الفراغ، إن وُجدت!
ولم تكن إسرائيل شارون بحاجة إلى إغراء أكثر من »مبادرة« كولن باول التي طلبها »العرب« إلى حد الاستجداء، وهللوا مرحبين بها من قبل أن تعلن، ثم رأوا فيها فوق ما يطلبون، مع أنها دون ما كان يصدر عن واشنطن من»مبادرات« في سياق موقفها »المبدئي« وشبه الثابت حول فلسطين وحقوق شعبها فيها، بدءاً بالقدس مروراً بفكرة »الدولة« وصولاً إلى إسقاط »الشرعية« عن المستوطنات والمطالبة بضرورة إزالتها باعتبارها من أعمال الاحتلال الإسرائيلي الخ..
لقد نزلت هذه »المبادرة« بالموقف الأميركي، المعروف تاريخياً والمكرر عبر عشرات المواقف الرسمية على اختلاف العهود، إلى دون ما يمكن قبوله فلسطينياً، خصوصاً وأنه انطلق من إدانة الانتفاضة واعتبارها من أعمال الإرهاب، وطالب بوقفها فوراً باعتبارها »عنفاً« مما يبرّر لإسرائيل جرائمها كافة ويكاد يبرئها من أعمال القتل اليومي والاغتيالات المقصودة والتي حصدت أمس الأول خمسة أطفال، بينما حصدت أمس سبعة شهداء بينهم امرأة.
يتناقص المجتمعون من حول مائدة الإفطار في البيوت الفقيرة أو بين ركام البيوت المنسوفة في المباركة فلسطين مع كل غروب..
ويصير الوصول الى المسجد الاقصى لأداء الصلاة، أيام الجمعة، مغامرة غير مأمونة وغير مضمونة النتائج، فلا ينجح في اجتياز حواجز النار المتعددة و»التسلل« الى الحرم القدسي إلا من نذروا انفسهم لما يماثل مهمة استشهادية..
ويتوالى اغتيال القادة الميدانيين، بالحومات والدبابات والعبوات الناسفة و»العملاء« باعة دماء اخوانهم، فضلا عن القصف والنسف وتجريف البساتين وتدمير البيوت والمنشآت..
لكأنما تهدف اسرائيل شارون من هذا التصعيد، الذي يمتنع الفلسطينيون حتى الساعة عن الرد عليه، ان تقتصر مهمة المبعوثين الاميركيين القادمين لمباشرة »إعداد الارض« لمبادرة كولين باول »التاريخية« على وقف جديد لاطلاق النار، يتطلب بالتأكيد وقف الانتفاضة، والتنازل عن ابسط المطالب »السياسية« او اقله ارجاء الكلام فيها، الى حين يصفو الجو فلا يجبر شارون على التصرف تحت الضغط..
… علما بأن شارون ما كان ليصل الى موقعه الا تحت الضغط على الفلسطينيين كما على الوضع المهتز لحكومة سلفه باراك، وايضا على موقف الادارة الاميركية الجديدة الآتية »مسبوعة« بتجربة بوش الاب مع اللوبي الصهيوني الذي حرمه من التجديد قبل عشر سنوات.
ان التصعيد الاسرائيلي يستهدف تركيز الضغط على الفلسطينيين، شبه المعزولين الآن، والمتروكين لمصيرهم، وسط الرعب العربي والاسلامي من الغضبة الاميركية، لابتزازهم مزيدا من التنازلات السياسية.
واذا كان السقف الاميركي هو ما اعلنه باول فإن شارون يتصرف وكأنه قادر على خفض هذا السقف الواطئ اصلا بمزيد من الضغط الدموي على الفلسطينيين، في حين تضمن واشنطن »صمت« باقي العرب او تسليمهم بما ينتهي اليه هذا التفاوض الكاريكاتوري بين الإف 16 والحجر، على قاعدة »نرضى للفلسطينيين ما يرتضونه لأنفسهم«.
ان شارون يحاول تغليب الطابع الامني على مهمة »المسوقين« الاميركيين القادمين، الجنرال زيني والدبلوماسي بيرنز، والامن الاسرائيلي غول هائل قادر في تقديره على التهام ما هو سياسي في الموضوع الفلسطيني… وعندما يصبح الامن بمعنى استمرار الحياة اليومية هو المطلب الاساسي للفلسطينيين تبدأ المفاوضات بين السفاحين والشهداء تحت الرعاية الاميركية المباركة.
رمضان كريم!

Exit mobile version