ما بعد “داعش” ونهاية الموت الاعنف، هل نعود إلى فصل الموت العنيف؟ هل سيتاح لنا الاحتفال بالحياة؟ هل سنقول وداعاً للرصاص؟ هل ستصبح الجملة العربية خالية من افعال القتل والاغتصاب والتفجير والاغتيال والتعذيب والتهجير؟ هل سنجد ما بعد “داعش” اوطاناً أم ارضاً تستبيحها كائنات غير بشرية؟ هل ستكون ارضنا غابة أخرى او جزيرة بكراً؟
الجواب سهل. اننا نعرف من نحن. لسنا مؤهلين بعد للاحتفاء بموت الملك، بهرب الديكتاتور، بأفول الماضي المتوحش، بنهاية مسوخ التكفير، من كل الجهات ومن كل الآيات… سننشغل حتماً بالاستعداد لحروب أخرى. حروب اقل عنفاً وأكثر قتلاً. لا أحد سيلقي سلاحه. الاهتمام مصوب نحو تصويب جديد. لا سلام بعد بين المتحاربين. الارض مكتظة بالأعداء. اللائحة متيقنة، أن السعودية ستخوض القتل حتى آخر يمني، حتى آخر ايراني شيعي، حتى آخر امارة لا تطيعها. تركيا ستخوض حرباً “اخوانية” حتى الطلقة الاخيرة، وحتى سقوط الحلم الكردي، وحتى الاعتياد على انتهاك سوريا.
إيران ستشرع القتال المضاد. في ظنها انها ستعقلن الصراع. بحيث، القوة تستدرج القوة، في الشهية الايرانية اغراء التمدد وسهولة الاعتماد على تراث ديني خاص. تراث من صلب العنف الكربلائي، في زمن الحضور لأكثر من كربلاء، بلا ائمة او انبياء. العراق سيمتحن وحدته. هذا ماضٍ يكاد يمضي. العراق، مثلث الولاءات، الكردية والنسية والشيعية، يقع على تخوم الكدرات، سيتمدد القتال. الذين قاتلوا “داعش” سيقتتلون. سوريا، ارض الطامات الكبرى. لا مشهد في التاريخ السوري يوازي ساحة الاعدام الجماعي لوطن ودولة وأمة وشعب، سوريا، كأن لا جدران لها. ركام يؤاخي ركاماً مضاداً. الكل شريك، والشراكة في الدم تلوث جباهاً منتصبة، تدّعي الانتصار بعد كل انكسار فروع الجحيم كلها تلتقي في سوريا.
اميركا هناك، من يصفح عنها ويتوقع انسحابها بلا اثمان. ترامب، جابي اموال الحماية والمساعدات يرفض الخروج غداً من دون أن ينتزع جعالات تفقر سوريا لأجيال. تركيا هناك مع “اخوانها”، من يقوى عليها؟
سوريا باتت من دون السوريين. متى يعودون وكيف ولماذا وماذا ينتظرهم؟ السعودية هناك. تريد دمشق السعودية بديلاً عن دمشق الايرانية. كأن سوريا فرغت من سوريتها ومن عروبتها.
القارة الداعشية ستتقلص عندنا وتنتشر في القارات الخمس. ليبيا تصدر النفط واللاجئين وبرابرة التكفير، برعاية قطرية. قطر لن تكون شهيدة. ستجد حماية من “اخوانها” و”اعدائها” في المذهب. ستختلط الامور كثيراً. مصر الكبيرة جدا، تبدو امام قدر اسلامي متمادٍ في العنف. الدكتاتورية ليست علاجاً. امثال “داعش” و “اخوانهم” بحاجة إلى استئصال ثقافي. بأي ثقافة تحارب داعش؟ بالثقافة الوهابية؟ بالإسلامية المعتدلة التي منها يخرج الاسلام العنفي…مصر ماضية في النفق العنفي، إلى زمن غير معلوم.
سيضرب “داعش” في كل مكان لبنان لم يعد سهلاً على “داعش”، فماذا عن “النصرة” وفي البلد من يجندها ويفضلها على “داعش”؟
ستكون الارض غداء غابة للتوحش: الاستبداد باقٍ. السلفية باقية، الوهابية مستنفرة، الطائفية تحضر كي تكون البديل عن الوطن والدولة والانظمة. المذهبية ستنال دعماً من “هلال شيعي” ودعماً معاداً من “قوس سني”. حرب الالف عام الثانية وأكثر. مذهبان لم يلتقيا على ود او وئام او احترام منذ تاريخ ما بعد النبوة. انفجر بالأمس القريب ولن ينطفئ دون معادلة جديدة، تتجاوز السنية السياسية والتشيع السياسي… الغد ليس قريباً ابداً.
من أين نبدأ؟
الجواب معروف. اللغة الامنية، فشلت في اقناع التطرف الديني.
اللغة السياسية سخيفة إلى درجة اصبحت تكتب بالإملاء من فوق، وليس بالإنشاء من تحت، من عند الناس. اللغة التلفيقية انفضحت لأنها بنت التسويات الملغومة. الاعلام الضروس، اداة تأجيج وفحيح مخابئ التكفير والقتل و… التبرير.
الجواب معروف. البداية تقتضي الاعتراف بالإنسان: “نحن بشر يا بجم”.. السلطة والدين والمال. الحرية اساس الملك من دونها تكون السلطة قلاعاً للفتك.
العقل لا النقل، الايمان لا التعصب،
الانفتاح لا الانغلاق… إلى اخر ما كتب في سجلات حقوق الانسان.
اننا بعيدون جدياً عن هذا. بعيدون أكثر من الحياة.
“ما بعد داعش”…”داعش” صغرى.