غزة ـ حلمي موسى
مائة يوم ويوم من العدوان المتواصل على شعبنا. مائة يوم ويوم من الصمود الاسطوري لشعبنا. والنصر حتما لحق شعبنا في مواجهة الظلم التاريخي.
**
في اليوم المائة للحرب الإجرامية على قطاع غزة، تبدت بمزيد من الوضوح معالم التفكك والخلاف في المواقف الإسرائيلية، كما بين الموقفين الإسرائيلي والأميركي. ويزداد الخلاف مع اتضاح صعوبة تحقيق الأهداف المعلنة للحرب.
فيوم أمس، وبحسب وسائل الإعلام الصهيونية، فوجئ الإسرائيليون في اسدود وجوارها بتساقط الصواريخ عليهم من غزة، وتحديدا من شماليها. واضطر المراسلون العسكريون للاعتراف بأن الصواريخ تسقط يوميا، وليس أحيانا، من غزة على مستوطنات غلاف غزة. حتّى أن وزير الحرب يؤآف غالانت اعترف بأن على مستوطني الغلاف المطلوب منهم العودة الى مستوطناتهم الاعتياد على “تنقيط” الصواريخ.
وبعد مرور مائة يوم، تدور نقاشات صاخبة داخل الجيش، وبين الجيش وبين أهالي الأسرى، حول صحّة المبدأ القائل بأن الضغط العسكري يسهل عودة الأسرى الإسرائيليين. ويرى الجميع أن حوالي شهرين قد مرا (منذ الهدنة المؤقتة) من دون أن تفلح إسرائيل في تحرير أي أسير بالضغط العسكري. والأهم هو أن حركة الجيش البريّة صارت بالغة البطء، خصوصا في خانيونس وفي المنطقة الوسطى.
وبرغم التهديدات الصاخبة باحتلال محور فيلادلفيا، فإن اسرائيل، كما يبدو، سمحت لمصر بنشر قوات نوعية إضافية على الحدود مع غزة بقصد تكثيف مراقبة محور فيلادلفيا ومنع تهريب الأسرى الى سيناء. وتُظهر هذه الخطوة، بالإضافة إلى الاتفاق على تزويد الأسرى الإسرائيليين بالدواء عبر قطر، على نوع من الإقرار بالعجز عن تحرير الأسرى بالقوة.
وربّما أن هذا الإحساس الإسرائيلي بالعجز هو ما دفع الأميركيين إلى التعبير عنه بصراحة أمام الإسرائيليين٠
فقد ذكرت القناة الرسمية الإسرائيلية أن العسكريين الأميركيين الذين يتعاملون مع نظرائهم في تل ابيب يعبّرون لهم عن استحالة تحقيق أهداف الحرب التي أعلنوها، ويطالبونهم بتعديل هذه الأهداف وتكييفها مع الواقع. وبعبارة أخرى، هم يقولون لهم أنه ليست لدى إسرائيل القدرة على القضاء على “حماس”.
لكن الجيش الإسرائيلي مازال يُصرّ على أن بوسعه القضاء على “حماس”، ولكنه يحتاج مزيدا من الوقت، فيما يجيب الأميركيون بأن إسرائيل قد تجاوزت الوقت المعقول، وأنه لم يعد من المقبول الاستمرار في قتل المدنيين وتدمير ممتلكاتهم.
ولذلك، يكثر الحديث مؤخرا عن دخول الجيش الإسرائيلي المرحلة الثالثة من الحرب لإقناع الأميركيين بأنه يأخذ طلباتهم ومصالحهم في المنطقة في الحسبان.
غير أن الخلاف الأميركي الإسرائيلي يتجاوز الجانب العسكري. فيمكن اعتبار أن التفاهم على المستوى العسكري أعمق بكثير من التفاهم على المستوى السياسي.
فسياسيا، يكاد بعض المعلقين يتحدثون عن ما يقترب من قطيعة. وكانت انباء قد أشارت إلى أن بايدن أغلق الهاتف في وجه نتنياهو قبل أكثر من عشرين يوما، ولم يعد يهاتفه.
كما اعتبرت زيارة بلينكن الأخيرة فشلا ذريعا، حيث كان الخلاف سيد الموقف. ويقال إن الأميركيين باتوا يعربون صراحة عن حيرتهم وعدم يقينهم مما إذا كان نتنياهو يقود الحكومة، أم أنه منقاد من آخرين. وغالبا ما يشير الأميركيون الى أن “الآخرين” المقصودين هم المتطرفون من أمثال سموتريتش وبن غفير وبعض من متطرفي الليكود.
ويلاحظ الأميركيون عجز نتنياهو عن تمرير قرار في الحكومة لتحويل أموال المقاصة كاملة للسلطة الفلسطينية. ومن المعروف أنه يتعين على سموتريتش، بصفته وزير المالية، أن يوقع على تحويل هذه الأموال، إلا أنه يعلن رفضه عن التوقيع على تحويلها.
بالإضافة إلى ذلك، تبرز مشكلة العمال من الضفة الغربية، في ظل الحاجة الماسة للاقتصاد الإسرائيلي لهم. إلا أن سموتريتش وبن غفير وحلفاءهما يحظرون عودة هؤلاء للعمل في الأراضي المحتلة في العام 1948.
وقد اضطر وزير الحرب، المدرك لمخاطر توتير العلاقات مع الأميركيين، إلى إعلان موقف صريح بوجوب تسليم أموال المقاصة للسلطة، والسماح للعمال الفلسطينيين بالعودة للعمل في الكيان. فالاقتصاد الاسرائيلي يعاني بشدة من ضغوط الحرب بسبب تكاليفها من جهة، واستمرار تجنيد ما لا يقل عن ربع مليون من جنود الاحتياط من جهة ثانية. وما يزيد الطين بلة، إمكانية اتساع الحرب إذا تم تصعيد الموقف مع حزب الله.
وبعد ذلك كله، أو قبله، يأتي الخلاف بين الولايات المتحدة وبين إسرائيل حول “اليوم التالي” للحرب، وسبل التعامل مع غزة ومع المحيط العربي بما يضمن استقرار المنطقة كبحيرة أميركية، بعيدا عن التيارات الأخرى.