ليس لفلسطين الا دمها تؤكد به قدرتها على مقاومة خطر الاندثار، والسقوط من الذاكرة الرسمية العربية.
خلال الايام القليلة الماضية، وبينما فتية فلسطين يحيون “يوم الارض” فيكتبون بدمائهم حقهم الثابت فيها، تاريخياً وثقافياً وانسانياً، كان العديد من القادة العرب يتبرأون من فلسطين ويجتهدون في نفي اسباب العداء مع الكيان الصهيوني والاستعداد لمباشرة “علاقة أخوية” معه!
في القاهرة وعبرها، وعلى هامش الاستفتاء التاريخي الذي تم بموجبه التجديد ـ ديمقراطيا ـ للرئيس عبد الفتاح السيسي، كانت دولة الكيان الصهيوني (اسرائيل) تعلن اتمام اضخم صفقة مع مصر تبيعها بموجبها كميات من الغاز بمبلغ /1500/ مليار دولار… علماً أن القاهرة قد أعلنت، قبل اسابيع، عن اكتشاف اضخم حقل للنفط والغاز (شروق) على ساحل البحر الابيض المتوسط، غير بعيد عن منطقة قناة السويس، بالشراكة مع “ايني” الايطالية و”توتال” الفرنسية.
من واشنطن وعبر زيارته التاريخية المغطاة بالذهب، كان ولي العهد السعودي الامير محمد بن سلمان يعلن أن العلاقات مع الكيان الاسرائيلي تتطور إلى الافضل متخطية اسباب العداء والقطيعة، وانه يأمل في زيادة التعاون مع “هذه الدولة المتقدمة” في المجالات كافة.
وكان بين الشواهد فتح الاجواء السعودية للطيران الاسرائيلي نحو الهند..
يتهافت امراء الخليج العربي وشيوخه على عتبات الكيان الإسرائيلي.. فبعد قطر، التي كانت السباقة إلى الاعتراف بدولة العدو واقامة علاقات مفتوحة معها، تقاطر الشيوخ والوزراء الخليجيون إلى كيان العدو في زيارات تجاوزت السياحة الدينية إلى التبشير بعصر جديد عماده الاخوة والمصالح المشتركة..
بالمقابل، تنسحب دول عربية أخرى من ميدان الصراع مع العدو الاسرائيلي، وتجدد السلطات المغربية التواصل معه، فيزور بعض وزرائها الارض المحتلة، تحت عنوان الاطمئنان إلى سلامة الاماكن المقدسة…
هل كان العداء لإسرائيل سحابة صيف، سقطت ككذبة مع اول نيسان؟!
هل ذهبت وتذهب وستذهب هدراً كل التضحيات الغوالي، بالأرواح والارض وحق الحياة في فلسطين التي حفظ الاهل قداستها وردوا عنها الغزاة والطامعين وحفظوها مطهرة ببركة الانبياء جميعاً، من موسى إلى السيد المسيح إلى محمد بن عبدالله؟
هل سقط جدار الخوف من “الشعب”؟
هل انتصر النفط المجلل بالسيف على حق الشعوب في الكرامة والتحرر وتأكيد جدارتهم بالحياة في ارضهم التي كانت دائماً ارضهم؟
هل خرج العرب من التاريخ الذين لم يدخلوه بسيوفهم فقط، بل بالرسالة المقدسة ورفعهم شعارات حق الانسان بالكرامة والحرية والايمان والعلم وفتح باب المستقبل بالمعرفة؟
*****
يتساقط الفتية المرتفعة هاماتهم بحقهم في ارضهم فيحملهم بعض رفاقهم ويسعون بهم إلى مدافن الشهداء، بينما يتابع الآلاف غيرهم رفع أذرعتهم بالحجارة، ورفع اصواتهم بالهتاف لفلسطين.. فلا يجد شهداؤهم مساحات لنعيهم في أجهزة الاعلام العربية، أو في خطب القادة من ملوك ورؤساء وامراء، مشغولين بالتودد إلى “العدو” عبر مصدره ومزوده بالسلاح والقدرات العلمية فضلاً عن المال، واستجرار حكام العرب إلى اسقاط العداء والتودد إلى اسرائيل باعتبارها شريكا في صنع المستقبل عبر مكافحة “الارهاب” الذي كان له في الماضي اسم الثورة المباركة وتحرير الارض والإرادة..
صارت اسرائيل في موقع “الحليف” شريك الغد الافضل والتقدم والرفاه في ظل رايات السلام المهين التي توشك أن ترفرف فوق هذه الارض العربية التي باتت ـ بأهلها ـ رهينة غاصبيها..
صار المواطن العربي يخجل بهويته الجامعة، وبات يفضل عليها دينه بل طائفيته التي تفرق بين الاخوة إلى حد الاشتباك في حرب اهلية بلا نهاية.
المعادلة قاطعة في وضوحها: تقاتل عدوك حتى الانتصار، او تفقد شرعية انتمائك إلى ارضك وحقك في هويتها وشرف المشاركة في صنع مستقبلها الافضل.
فهؤلاء الشهداء الذي يضيفون بدمائهم المزيد من الشرف إلى قداسة الارض انما يفتدونك حيثما كنت: في انحاء شبه الجزيرة العربية من صنعائها إلى مكة المكرمة والمدينة المنورة، فإلى بغداد التي بناها المنصور، فإلى دمشق التي تحولت إلى مركز جيوش الفتح التي بلغت الاندلس غربا، فإلى قاهرة المعز لدين الله الفاطمي وخلفائه الذين قاتلوا الغزاة الصليبيين حتى أجلوهم بسيف صلاح الدين الايوبي.
فلسطين هي غدك لا أمسك، فان خسرتها لن تكون انت: ستسقط هويتك معها، وستغدو نكرة يحتقرك عدوك الاسرائيلي، وينكرك السيد الاميركي ويعيرك الاوروبي بجاهليتك ومجافاتك للعصر وانكارك لأصلك وتاريخك وحقك بمستقبل يليق بإنسانيتك وبتاريخك؟
أليس بين العرب من “يجدد” الهتاف، بعد تصحيحه:
“لتنسني يميني إن نسيتك يا فلسطين؟!”
..لسوف يبقى الأمل مشعاً طالما بقي في فلسطين من يخرج إلى العدو الاسرائيلي المدجج بالسلاح شاهراً دمه.. حتى النصر.
ولن يكون للإسرائيليين الحق بعيش في سلام، كما بشر الامير محمد بن سلمان في واشنطن، وهو الجاهل بالتاريخ جهله بالإسلام وجهله بالجغرافيا.
تنشر بالتزامن مع السفير العربي