طلال سلمان

لن ننساك.. يا ابا خالد!

المجالس بالأمانات
“السفير”31 كانون الثاني 1986

ابو خالد الشاهد

أينما سمعت قهقهة جماعية متنوعة النغمات فثمة مجلس يتصدره محسن ابراهيم ويمطر حضوره بوابل من قفشاته وتعليقاته ولقطاته اللاذعة فاذا هم ضحاياه جميعاً مرتين!

ومحسن ابراهيم. يفضح. أي مجلس يكون فيه بالضحك المتواصل تماما كما يفضح زميلنا الكبير الغائب ـ الحاضر اسعد المقدم الذي خسرته الصحافة ولم تربحه جامعة الدول العربية. أي لقاء يشارك فيه فيستحيل أن يظل سريا، وتجعله “سعلته” الشهيرة قريباً إلى الاسماع مهما ابعده اصحابه عن الانظار.

و”ابو خالد” يفضح رواد أي مجلس لأنه “يعرف اكثر مما يجب”، ولأنه عتيق، في اللعبة السياسية، عاشها وعايشها قريبا جداً من مراكز القرار، في القاهرة ـ قاهرة كل العرب وقاهرة قيادتهم التاريخية ايام عبد الناصر العظيم ـ ثم في دمشق، وكذلك في بغداد وفي صنعاء وعدن والجزائر وطرابلس الغرب، رجوعاً إلى بيروت عن طريق دمشق والعكس بالعكس.

ولقد تدرج محسن ابراهيم في صفوف حركة القوميين العرب، حتى غدا في قيادتها رفيقا للدكتور جورج حبش وهاني الهندي والمرحوم الدكتور وديع حداد، وطبيب الكويت احمد الخطيب وفيلسوف البروليتاريا البدوية في شرقي الاردن نايف حواتمه… ثم كان أن اكتشف الاخوان الماركسية. ويبدو أن بعضهم قرأ أكثر من البعض الاخر، فاذا هم يستنسخونها انشقاقات واجنحة ومدارس اودت بوحدة “الحركة” ثم بالحركة ذاتها وهي التي كان ينظر البعض اليها وكأنها قيادة لمستقبل الامة.

ومحسن ابراهيم بالذات نموذج حي للانشطارية وهو بالذات صاحب النكتة الشهيرة التي راجت بعد سلسلة الانشقاقات في “الحركة” ثم بين التنظيمات المتحدرة عنها، وهي نكتة اتخذت شكل التساؤل عن موعد انشقاق “محسن” عن “ابراهيم” … وهو موعد معلق حتى اشعار آخر. في رأي الشيوعيين اللبنانيين الذين ينظرون إلى “منظمة العمل الشيوعي” وكأنها “ضرة”، ويتساءلون، بلسان جورج حاوي: اذا كنا نحن مجبورين فيها، فماذا يجبر هؤلاء السذج على ارتكاب الخطيئة ذاتها بكل هذا الاندفاع؟!

في أي حال فان معظم رفاق محسن قد انتهوا قياديين لتنظيمات شديدة القطرية وان ظللتها راية هائلة الاتساع امميا، او “متآمرين” حاولوا ملكا فمات بعضهم معذورا والبعض الاخر ما يزال ينتظر الحبس او الملك الموعود.

وها هم بعض الرفاق القدامى لأبي خالد يمارسون بحماسة منقطعة النظير لعبة، الكراسي الموسيقية، في عدن الجنة البائسة. وآكلة الرؤساء والوزراء والقادة وكل من مر بمحاذاة مبنى المكتب السياسي.

ومحسن ابراهيم، شاهد شاف كل حاجة، وهو شاهد على مرحلة بل عصر كامل… شاهد على الصعود المجيد، فهو ابن شرعي للمد الثوري الذي شهدته الحركة القومية في الخمسينات والستينات، وشاهد على التردي الذي جاءنا فيضانه بكل الامراض والاوبئة والوان التعاسة والشقاء بعدما اختطفت مصر واغتيلت كل القيم والاشياء الجميلة، وصولاً إلى اللحن والاغنية والقصيدة والنكتة المتفجرة بذكاء صانعها.

وهو “شاهد” ارتقى في حالة الصعود فصار صديقا مقربا لجمال عبد الناصر. وتضعضع في حالة الارتداد والتردي فصار الامين العام للمجلس السياسي لزواريب بيروت وبعض ضواحيها، يجمعهم ويتسلى بهم او سليهم في انتظار أن يأتي الذي لا يأتي…

ولقد ظل “القومي” في محسن ابراهيم “الشيوعي” حاضرا دائما، ومن هنا فقد اندفع مناصراً نصيراً لكل قضية قومية وحاملا لراية اية حركة تنادي بالتحرر والحرير ولو اخترعت لنفسها هوية وقضية صحراوية كالبوليزاريو!

وهذا “القومي” هو الذي كان بين رموز الصمود في بيروت ابان الغزو الاسرائيلي، بعقله الحاضر ابدا ووعيه لأبعاد المعركة وظرفه الذي لم يفارقه لحظة… وكانت نكاته وقفشاته الجسر الذي ظل يربط بين ياسر عرفات وبين العميد محمد حلال وبين قيادة العمل الوطني في لبنان.

ومحسن ابراهيم اعلامي متميز. وهو لولا هوس العقائدية في السياسة لكان واحدا. من انجح رؤساء التحرير في الصحافة العربية. ولو اتقن الرسم الكاريكاتوري لجمع بين امجاد ناجي العلي وصلاح اهين، وبهجت وحجازي واللباد. أما لو قبل عرض عادل امام حين جاء بيروت والتقاه لكان جدد عصر المسرح الكوميدي الراقي والذي يمكن أن يلعب دوراً سياسيا فريداً.

ولعل هذه المزايا هي التي جعلت عبد الناصر يقربه ويطلبه بالاسم لجلسات الحوار مع قيادة “الحركة”. وهي ايضاً التي جعلته من أقرب اصدقاء الشهيد كمال جنبلاط إلى نفسه. وهي التي جعلته في وقت من الاوقات صديقا حميماً لعبد الحليم خدام ومعظم اركان القيادة السورية خصوصا وقد لمسوا أن الرئيس حافظ الاسد يرتاح اليه.

غير أن محسن ابراهيم لم يصبح “نديما” للرؤساء. لقد حرص أن يبقى صاحب رأي وكان ظرفه في خدمة رأيه وليس العكس. وان كانت “الحبكات” و”القفلة” التي تلزم. قد أذته احياناً، اذ جعلته يقول ما لا يقال او ما يفترض الا يُقال..

ومؤكد أن ظرف محسن ابراهيم قد أثَّر ايجابيا فخفف من ثِقل دم العديد من قياديي الاحزاب الذين حاولوا أن يجاوره فقلدوه ولكنهم ظلوا يعترفون له بالريادة وقصب السبق.

واليوم يفتقد الكثيرون دور محسن ابراهيم وحركته… ويحرص وليد جنبلاط على أن يستضيفه مرة كل اسبوعين في المختارة، بينما يتحرش به نبيه بري مرة كل ثلاثة ايام، ويدعوه عاصم قانصوه إلى العشاء مرة في السنة، حتى لا تأخذ رجله. اما المقر العام ففي منزل المرشد محسن دلول حيث يتم انتاج النكات والتشنيعات على محسن ابراهيم انه يريد أن ينير طريق الامة بمنظمة تحتاج جريدتها “بيروت المساء” إلى شموع لإنارة مكاتبها في ظل الانقطاع المستمر للكهرباء!

Exit mobile version