طلال سلمان

لمجلس أمن بمستوى الشعوب

لماذا الأمم المتحدة، وما هو دورها؟

قد يكون دور الأمم المتحدة معالجة قضايا العالم في توتراتها السياسية والأمنية، بالطريقة التي تحقق فيها الأمن والاستقرار، ولا سيما في دول العالم الثالث، وبالأخص في منطقة الشرق الأوسط التي تتحرك فيها أوضاع العنف من خلال الخلافات السياسية في الداخل والخارج، ولا سيما في الصراع العربي ـ الإسرائيلي وقضايا الإرهاب، وفي الحروب الافريقية المدمرة وحرب السودان ومسألة احتلال العراق من قبل أميركا وبريطانيا، بالإضافة الى احتلال أفغانستان، الى غير ذلك من قضايا العالم الأخرى.

ولكن هناك بعض الملاحظات المثيرة للجدل في نظام الأمم المتحدة:

الأولى: موقع الدول الدائمة العضوية التي تملك حق النقض (الفيتو) لأي قرار صادر عن مجلس الأمن التابع للمنظمة، مما يؤدي إلى تعطيل أي حل لأية مشكلة سياسية او أمنية للدول المستضعفة إذا كان لا يتفق مع مصالح هذه الدولة الكبرى او تلك، الأمر الذي يجعل لهذه الدول بطريقة وبأخرى السيطرة على كل قضايا العالم المعروضة على مجلس الأمن، ويجعل الحلول المطروحة النابعة من الجدل الدائر بين دول المجلس جهداً ضائعاً لا طائل منه، ويحوّل الدول الأخرى غير الدائمة العضوية مجرد شهود زور او مواقع خطابية في التعامل مع قضايا العالم..

أما إذا وقفنا أمام حق النقض التعطيلي الذي يصادر مواقف الدول الأخرى، فإننا نتساءل: ما هو الحق القانوني الإنساني الذي تملكه هذه الدول لإلغاء القرار المتفق عليه بين الأعضاء، وهل يلتقي ذلك بالديموقراطية؟! إنها الديكتاتورية التي يشرّعها قانون الأمم المتحدة بطريقة غير شرعية.

أما الدول الدائمة العضوية فإن خلافاتها السياسية في هذه القضايا تنطلق من مصالحها الخاصة التي قد تتعارض، فتحاول إلى تعديل القرارات بالطريقة التي لا تضعها في مواقع الصدام الخطر، وتبقى الوجهة النهائية للمسار السياسي في مجلس الأمن خاضعة لميزان القوى بين الأطراف، فلا معايير للحق أو للباطل ولا للقانون والشرائع، بل إنها الإمكانات السياسية وعناصر الضغط المتنوّعة التي يمتلكها الطرف الأقوى هي التي ترسم المسار السياسي، إما بفرض ما يريده القوي او باستخدامه حق النقض لإسقاط هذا القرار او ذاك، وقد لا يملك بعض آخر ذلك فيكتفي بأضعف الايمان وهو الامتناع عن التصويت.

إن هذا النظام الذي يحكم سياسات الدول الدائمة العضوية في مجلس الأمن لا يجعل الأمم المتحدة مشلولة فحسب في حل المشاكل المستعصية في العالم، لا سيما مشاكل دول العالم الثالث، بل تأتي الحلول متناقضة لمصالحها وحقوقها في غالب الأحيان.

الثانية: تعقيدات المصالح في علاقات الدول الكبرى في الأمور الاقتصادية والسياسية والأمنية، مع اختلاف موازين القوى في حجم هذه المصالح بين دولة وأخرى، قد يخلّ بالتوازن في سيطرة دولة عظمى على موقع القرار في دولة أخرى كبرى أقل منها في ميزان القدرة من خلال تعقيد الحاجات المتحركة هنا وهناك..

وهذا ما نلاحظه في علاقة الولايات المتحدة الأميركية بالدول الأوروبية او بالاتحاد الروسي او بالصين، الأمر الذي يترك تأثيره على القرار الذي يمكن ان تضغط به أميركا على بعض هذه الدول بالضغط على مصالحها المرتبطة بها على الصعيد الاقتصادي او الأمني، فيتحوّل الوضع الى خضوع لما تفرضه الدولة العظمى في عملية ضغط المصالح لا ضغط القوة القاهرة..

ولذلك، فإن على الشعوب المستضعفة أن تدرس علاقات هذه الدول في حركة مصالحها التي قد تلتقي على مصادرة مصالح هذه الشعوب، رعاية لعلاقاتها الاستكبارية الخاصة، فلا تجد في مجلس الأمن أية حماية لقضاياها، لأن قضايا الدول الكبرى في علاقتها بالدولة العظمى او في التسويات المتبادلة بينها هي التي تفرض طبيعة القرار الذي قد يتحوّل إلى قرار يسحق مصالح الشعوب المستضعفة، بالرغم من تمثيل بعض دولها في المجلس وامتلاكها حق التصويت، ولكن بدون تأثير فاعل إلا إذا كانت فاعلة في تبعيتها لأميركا.

وفي ضوء ذلك، فإن الأمم المتحدة قد تخدم في بعض قراراتها مصالح الشعوب تتحوّل في مجلس الأمن الى ما يشبه حائط المبكى، وبالتالي يتحوّل عنوان الشرعية الدولية الى غطاء ملطّف لقبضة حديدية تُخضع بها الدول القوية الدول الضعيفة تحت التهديد بفرض العقوبات عليها إذا تمرّدت على هذه “الشرعية” الصادرة عن المجتمع الدولي، بينما هي في الحقيقة تمثل قرار الدولة العظمى في سياستها الاستكبارية او الدول المتحالفة معها في تبادل المصالح بينها.

الثالثة: إن دور الأمين العام للأمم المتحدة لا يمثل أية قوة فاعلة في حماية مصالح الشعوب، لأنه لا يملك من الأمر شيئاً أمام القوة القاهرة المهيمنة على قرارات المجلس، ولا سيما الولايات المتحدة الأميركية التي قد تضغط عليه، وقد تعرّضه للمساءلة والمحاسبة، وتهدّده بعزله عن موقعه، كما حدث للأمين العام السابق في مجزرة قانا الأولى عندما تجرّأ وطرحها في مجلس الأمن بالطريقة التي تختلف عن الموقف الأميركي الذي يرفض إدانة إسرائيل، وهذا هو الذي أدّى إلى إبعاده عن فرصة تجديد مسؤوليته للأمانة العامة، وكما حدث أخيراً في تأنيب وزيرة الخارجية الأميركية للأمين العام كوفي أنان على الانتقادات التي وجهها لإسرائيل بعد قصفها مركز مراقبة تابع للأمم المتحدة، وبعد المجزرة الوحشية التي ارتكبتها في قانا، حيث اعتبرت تصريحاته غير مناسبة ، في الوقت الذي كان حديثه يؤكد تعمّد إسرائيل قتل المراقبين، وإدانته لمجزرة قانا!!

وإذا كنا نقدّر لهذا الأمين العام بعض مواقفه، لا سيما في دعوته مجلس الأمن إلى إصدار قرار يدين التعرّض للأديان ومقدساتها، ولا سيما الدين الإسلامي، إثر ردود الفعل التي برزت في العالم كردّ على الإساءة التي وجهها بعض الإعلام الأوروبي الى شخصية النبي محمد (ص)، بالإضافة الى كثير من مواقفه من القضايا المتصلة بالشعوب المستضعفة، ولكنه كبعض مساعديه يصرّح بعدم قدرته على تنفيذ ما يفكر به، لأنه لا يملك من الأمر شيئاً أمام دول القرار في مجلس الأمن، لأن القرار ليس قراره.. وإننا نتصوّر ان اميركا سوف تبحث عن تعيين أمين عام جديد يتوافق مع سياستها، ويغطي قراراتها، بالتوافق مع الدول الكبرى المتحالفة معها.

الرابعة: إن واقع الأمم المتحدة في مجلس الأمن وفي الجمعية العامة هو واقع السيطرة الأميركية على قراراتها في مسألة الصراع العربي الإسرائيلي، فهي تمنع إدانة إسرائيل على كل مجازرها الوحشية ضد الشعبين الفلسطيني واللبناني، وتدعم احتلالها لأكثر من بلد عربي خلافاً لحقوق الإنسان، وتلغي بضغوطها السياسية اعتبار الصهيونية حركة عنصرية، وتمنع لبنان من تقديم شكوى الى مجلس الأمن ضد المخابرات الإسرائيلية في كل اغتيالاتها وتخريبها في لبنان، وتدعم إسرائيل سياسياً وعسكرياً واقتصادياً في تدمير لبنان في بنيته التحتية في الحرب الحالية، وفي القيام بكل المجازر الوحشية في قتل أطفاله ونسائه وشيوخه، وتمنع المجتمع الدولي والدول العربية والإسلامية من تحقيق وقف إطلاق النار، لتستكمل إسرائيل تحقيق أهدافها في الحصول على بعض الانتصار أمام هزائمها المتتالية في معركتها مع المقاومة..

ولا يزال مجلس الأمن في ظل الوقائع الدامية التي نعيشها يتخبّط في استصدار قرار بوقف النار من خلال الموقف الأميركي والبريطاني التابع لأميركا، لأن المسألة لدى اميركا وحلفائها هي حماية إسرائيل وعدم المسّ بموقعها المتفوّق ـ خصوصاً بعدما استطاعت المقاومة في لبنان إسقاط هيبته وهزّ عنفوانه ـ وإعادة تكريسها الدولة الأقوى في المنطقة التي تملك فرض سيطرتها عليها كلها، لتكون اليد الضاربة في تنفيذ المشاريع الأميركية، كما تفعل الآن في مساندتها للاحتلال الأميركي في العراق..

وعلينا ألا ننسى في ختام هذا الفصل أن مجلس الأمن لم يستطع منع اميركا وبريطانيا من احتلال العراق تحت تأثير اكتشافه للكذبة الأميركية الكبرى في امتلاك العراق أسلحة الدمار الشامل، ثم عاد ليشرعن احتلالهما كدولتين محتلتين تسيطران على مقدرات العراق.. ونضيف الى ذلك ان هذا المجلس قد أصدر أكثر من قرار في مسألة الحرب على ما يسمّونه الإرهاب امتثالاً للإرادة الأميركية، من دون ان يسمح بإصدار قرار يحدد معنى الإرهاب الذي استغلته اميركا في اعتبار المقاومة ضد الاحتلال إرهاباً، كما في فلسطين ولبنان.

إن أميركا التي استطاعت إخضاع مجلس الأمن من خلال حلفائها وعملائها لقراراتها، ولا سيما القرارات الأخيرة المتعلقة بلبنان، أصبحت تتحدث عن الشرعية الدولية والمجتمع الدولي للضغط على لبنان، في الوقت الذي يعرف فيه الجميع ان مصدر أكثر هذه القرارات، ولا سيما القرار 1559، هو إسرائيل واميركا.

وأخيراً، إن الشعوب بحاجة الى مجلس أمن والى منظمة أمم متحدة تنطلق من حقوق الإنسان في حرياته ومصالحه، ولكن المشكلة أن هذا المجلس أصبح موقعاً للاستكبار والمستكبرين ضد الاستضعاف والمستضعفين.

نشرت في “السفير” 7 آب 2006

Exit mobile version