طلال سلمان

لا نريد مستقبلاً يشبهننا

أخشى أن يعيدوا إلينا لبنان، كما كان. غودو لن يأتي. كل ما يقال، قيل من قبل. مجرد ثرثرة سياسية. سخافات وتفاهات. سقطت لغة التفاؤل. وبرغم ذلك، لا تزال الكلمات. الكلمات صفر، تكذب، خلص. غورو لن يأتي، ولا معجزات في زمن العجز التام.

كلام ضد كلام. لا أكثر. كذب يواجهه كذب. عهد يبتزه عهد مضاد. لقد تم محو الأفق. سُدَّت النوافذ. الغد يولد مقتولاً. هو ليس ماضٍ، يزداد تعفناً وموتاً. ولا غرابة أبداً إذا خلت اللغة من جملة مفيدة. جملة تقول لنا: سنتغير قليلاً. قليلاً فقط.

أعرف جيداً. انني سأثير حساسية المرهفين الذين يتوقعون ما لن يقع أبداً. سيقال لي، كما قيل مراراً: خلص حكي. اتعبتنا. انكم على حق. ولكن، لا بد من الامتناع عن التفاؤل. بل، من لديه شرفة تطل على المستقبل. فليأخذنا إليها. أجمل هدية للبنانيين، بعد أعوام السواد وعقود الفشل وازمنة الفحش والسرقة و… هو ان تؤلف جملة مفيدة، تخبرنا فيها فقط، عن وقف الانهيار الشامل. نعم، لا نتوقع تغييراً. فليكن رهاننا البائس فقط، هو الحفاظ على الغد فقط.. في ظني ان المستحيل عقيدة مقيمة وناجحة. واليكم الأدلة:

 

 

 

 

 

عندما دخل المسيح المعبد، رأى أنه قد تحوَّل الى سوق، فقلب عليهم الوضع وصرخ:

“بيتي بيت صلاح يدعى، وقد جعلتموه مغارة للصوص”.

أما اقوال الامام علي بن ابي طالب، فهي أشد وطأة على تجار العار.

 

الكهرباء علتها الوحيدة، انها منهوبة، منهوبة، منهوبة. ومطلوب حلبها راهنا. الورثة معروفون، أصحاب “محطات الموتورات”.. كارتل الموتورات شريك مضارب للكهرباء.

وبرغم ذلك، تعامل اللبنانيون مع مناسبة الإنتخابات بقبضات مستقوية، وجيوب فارغة.

ألف مرة تباً.

 

عبث. من هو مؤهل للتغيير. لا أحد. اقصد لا أحد عملياً. ولا أحد بالمرة. التغيير ليس نوايا سحرية. بل هو جد وفعل وتأثير… عبث. أسف ان يصبح شعار التغيير شبيهاً باشتهاء “البوب كورن”. التغيير بحاجة الى قبضات مجهزة وقوية وظروف مؤاتية. أي تغيير صغير قد يحصل، سيجر البلد الى التفاؤل… رجاء: صوموا عن التغيير. اتعظوا مما حصل في ” بلاد الربيع العربي”. التغيير أشعل الارتكابات، بلا وازع ولا هدف. كنا موعودين بـ”الربيع العربي”. غلط. دخلنا خريف الرصاص وشتاء القصف وفصول الخيام واللاجئين. ولا أحد يسأل عن الدماء والجرائم… هل نحن بهذا السوء حتى نُصاب عن جد، بمقتلة عبثية. اللعنة، لا اصلاح البتة، من المحيط الى الخليج، ولبنان في رأس قائمة الخراب.

 

راهناً، لبنان موطئ النزاعات الكبرى. اميركا، إيران، السعودية، دول الخليج، سوريا، حلف الأطلسي… لبنان الصغير راهناً، هو ساحة واسعة لكل أنواع الصراعات… حذار الدماء.

 

عجب. يبدو ان التبعية سلعة ذهبية. مستقبل لبنان راهناً، تأليه التوحش. التوحش المالي. فعل سياسي دكتاتوري ومن الغرابة، ان لا صوت يعلو فوق صوت الإذاعات والتلفزيونات المتخندقة، في خنادق التآكل والأكل المتبقي كفلس الارملة.

بات مؤكداَ، ان أموال اللبنانيين بح. أموال الأثرياء والشركاء في اغتصاب الأموال والعقارات والشركات، تم تهجيرها الى بلاد مختصة برعاية وحماية الأموال غير الشرعية.

 

حسناً، ما الحل؟ لا حل ابداً. “أصحاب السيادة”، يطالبون بجيش واحد، وإلغاء كل سلاح “هذا حصرم رأيته في حلب”.

فلنعترف، هذه قضية كبرى، ولا أكبر منها، ولا حل لها البتة. الحرب الداخلية كارثية، وسواها سيكون حرباً إقليمية.

لا حل اذاً… طبعاً طبعاً طبعاً. كل ما عدا ذلك، هراء وهراء؟

 

هذا هو لبنان. الفن فضاؤه. الأدب شراعه. الابداع ناصيته. مسرحياً، حاز لبنان الريادة. تجرأ على المحرم. شعرياً، نهضة لا مثيل لها وتأثير وتأثر بالشعر العربي والعالمي. الموسيقى: احتفال لا ينقطع. – (راهنا. يا حرام)، النحت والرسم: قائمة من المخلدين. الخ… لبنان صفحة ابداعية تامة. للأسف، لم يبق لنا غير هذا، وهناك خوف عليه من “السخف الإعلاني”.

ما تبقى فشل يحبل بفشل ينجب تسلسلا من الأفشال. فشل سياسي الى تخوم الفتنة. استقلال معتقل ومباع. اقتصاد تفشت فيه انماط مافيوية وفساد ينافس الالوهة  في قوته. الخ..

وعليه، علينا ان لا نبكي ما فقدناه من زمان. نحن اليوم على حافة موت مقيم معنا. نحن على حافة الوجود. نكاد ننعدم، هذه عينة بعناوين موتنا غداً: الدواء، يا حرام. الاستشفاء، يا ويلنا. التعليم، “قفا نبكِ”: أموالنا وعرق جبيننا “راحوا”. النور والكهرباء: قل وداعاً. مياهنا: حنفيات مقفلة. طرقاتنا: كم قتيلاً يومياً. التلوث: لبنان يحده التلوث شمالاً وجنوباً وشرقاً وغرباً وسماء وما تحت التراب. ديونه: قيود لنا ولأولادنا واحفادنا. سياسيونا… تجارنا… الوكالات… المؤسسات “الرعائية”… المجالس: تعهدات سيَالة وحماية “الهية”…

اللاشيء، هو جوهر وجود لبنان. حرام ان نسميه دولة، دستور، نظام، مؤسسات… الخ. انه عدم وطني. خيانة إنسانية. سلعة مقطوعة، وقيادات تزداد فحولة ونهباً واتباعاً.

أما بعد…

لم ندرك بعد النهاية.

ليتها تحضر غداً.

لا حياة لنا، إن لم يمت هذا العبء المئوي. لبنان الذي نحبه، لم يولد بعد. سنبقى نحب لبنان الغد. لبنان الناس. لبنان الحياة الطيبة. لبنان المفعم بالآفاق الناصعة: حرية. مواطنة. مساواة. عدالة. بحبوحة. تنمية.

لكن… كل هذا لن يولد، قبل ان يسفك هؤلاء الذين تناوبوا على قتل لبنان، وبيعه بكثير من الفضة، وتشليعه وتوزيعه على نوازع مذهبية.

بلى. يحق لنا أن نحلم. نستحق احلاماً، ولو نحيلة، ان يكون الأمل بمستقبل.

لبنان هذا. اللامرئي حتى الآن، يستحق ان يكون.

متى؟

كثيرة الاحلام التي تحققت. من يدري؟ الأحلام أضواء لا تنطفئ. من حقنا ان نلبط بأقدامنا هؤلاء راهناً. هؤلاء جحيمنا. نحن، سنحلم وعيوننا مفتوحة وقبضاتنا رصيدنا.

علينا، لنصل الى ما بعد، ان نرسم على اوراقنا، خشبة إعدام عادلة.

هذه منصَة خلاصنا.

Exit mobile version