طلال سلمان

لا تعتذر لمن ألغيته.. أو لمن ألغاك؟!

نشر في جريدة “السفير” بتاريخ 14 تشرين الثاني 2003

كيف يقبل من يملك السماء ويرفع نفسه فوق الإله ان يقتسم الأرض التي لم تكن له في أي يوم، مع غيره، أي مع صاحبها الأصلي؛ الذي لم يغادرها أبداً، لا قبل مجيء الانبياء ولا بعد هبوط الرسالات على الرسل المصطفين؟

الأرض هي الأرض، السماء هي السماء، الأنبياء هم الأنبياء، الاساطير هي الاساطير، لكن الحقيقة وحدها ليست واحدة بالنسبة للعائد من الحكاية وللذي اصطنع بجسده تراب الأرض فلم يغادره ولم تغادره حتى حين غُيّب عنها؟!

كيف يمكن قسمة الاسطورة الواحدة إلى واقعين بغير ان يلغي احدهما الآخر ليستنبت -بالسلاح-  الأمر الواقع فوق قبر الحقيقة الإنسانية؟

الدبابة أقوى من الحقيقة، والطائرة الحربية تملك طاقة تدمير ”الوقائع”.

وجدار الفصل العنصري قادر على تزوير جغرافيا الملكية الخاصة، لكن الذاكرة التي تتبدى وكأنها مؤهلة لتقهر الزمن فتفترض فيه تواصلاً غير منقطع أو متقطع، ترفض أول ما ترفض الذاكرة الأخرى التي يستعصي عليها النسيان.

في الذاكرة اليهودية يصيَّر الماضي مستقبلاً، بينما لا يقبل من الذاكرة الفلسطينية ان تكون موطناً لمن اغتيل وطنه.

لا يكفي اعتراف الملغى بمن ألغاه، وتسليمه بأن يقتسم معه المستقبل، ولو في هامش منه متنازلاً عن حقه في ماضيه وفي حاضره، بل ان يلغي الملغى نفسه. ان يشهد انه لم يكن يوماً هنا، وان عبوره كان مجرد اعتداء على التاريخ الذي لم يكن تاريخاً للاقوام التي لم تكن شعباً وللأرض التي لم تكن دولة، والتي اوجدها استمراره على أرضه وإصراره على التمسك فيها بل الانغراس فيها برغم الغزوات المتكررة والحروب التي لم تتوقف والمذابح التي كادت تلتهم كل الاحياء وكل أسباب الحياة.

من المطلوب منه ان يعتذر عما فعل؟

هل هذا الذي ثبت في أرض حتى جعلها وطناً، وأبقى حتى المقدس من الغير مقدساً وجعله مزاراً ومصدر بركة لأطفاله؟!

لا قبول ولا اعتراف، المرفوض يرفض القابل برضاه، والقابل بالإكراه، يصر على أن ينفي الآخر وجوده. يصر على ان ينتزع منه بعد السماء وأنبيائها الأرض بصخورها وأشجارها وأنهارها والفراشات.

محمود درويش الذي يهدي واحدة من قصائد الديوان للشاعر الراحل أمل دنقل، الذي غادرنا وهو يهتف محذراً، بل منذرا ً”لا تصالح”، يحاول ان يستغفل صديقه الذي انطوى على وجهه وغاب، وهو يجدد لمن يرفضه الدعوة لأن يصالحه على ظلمه فيرفض الظالم ويواصل التهام الجغرافيا والتاريخ بالمقدس فيها وغير المقدس.

إلى من يوجه محمود درويش خطابه: لا تعتذر عما فعلت؟

لعل الجواب في الديوان التالي الذي ربما يختتم مسيرة الأسئلة الصعبة التي يستحيل على الإسرائيلي ان يجيب عليها طالما أصر على انه مالك السموات والأرضين والمصائر في كل مكان وزمان.

Exit mobile version