من الأفضل أن تتسلح بالأسئلة. إياك والاجابات. الأولى منزهة عن الانحياز والتبرير. الثانية، تمرين دائم على الكذب والتبرير.
من الأفضل أن تكون الاسئلة جديدة. إياك والقديم. الجديد، دلالة على أنك تبحث عن جد. الثانية برهان على أنك ببغاء. فحاشاك من ذلك.
نحن بلاد مكشوفة جداً ومعروفة جداً. الحقائق فيها وجهات نظر. كل ما فيها وما عليها مكشوف. لم تعد هذه البلاد مجهولة. انها مفضوحة، وحتى اسرارها العميقة معلنة ومتداولة. “الاعلام” العربي ألقى، بالصوت والصورة، ما تصاب به هذه البلاد من زمان، يكفي أن تفتح عينيك صباحاً، حتى لا تفاجأ. القارة العربية تتدفق دماؤها واجسادها واديانها وطوائفها وحكوماتها و”زعاماتها” وتجارها واثرياؤها وفقراؤها وحثالاتها بلا تعب او كلل… نظرة إلى الخريطة العربية، من المغرب إلى اليمن، تكفيك مؤونة دهر. ما الجديد في اليمن، غير انشغالها بالموت والأوبئة والقتل والفتك والتمذهب؟ ما الجديد في السعودية، غير قيادتها لتيار بأرومة سنية وثروة نفطية واشتراكها في قيادة حقبة السقوط في الهاوية التي تنحدر اليها امة بكاملها؟ ما الجديد في امارات الخليج؟ أو، ما الجديد في العراق، الذي كان ذات حقبة صانع حضارات، وهو الآن مبدع جنازات وخنادق وقتل؟ او ما الجديد في سوريا غير وهم الارباح بعد فقدان الارواح والتفاؤل بما بعد المجزرة؟ او ماذا في لبنان، جديده “القوي” وهم وأضغاث سياسة، ودفق من الاكاذيب والشعارات والفساد ومشتقاته الطائفية؟ ما الجديد غير الكذب البناء والنهب البناء واليأس القاتل؟ ما الجديد في ليبيا؟ أيجوز الترحم على الماضي الديكتاتوري المجرم جداً؟ يقال ذلك وأكثر. ما الجديد في السودان؟ انقسم واندلع. قتال فتاك على خلفية مجاعة، وهو الذي يفترض أن يطعم العالم لغزارة ثرواته. ام، ما الجديد في مصر؟ جديده عقيم ومشتق من سياسات عرفتها مصر من قبل. لا دهشة ولا جرأة على سؤال “الربيع العربي”.
ثم، ما الجديد في الجزائر؟ حكم مقعد وبلد مقعد واقتصاد مقعد وفقر مقيم وحريات ممنوعة؟ وماذا عن إيران؟ لا جديد ايضاً. مرحلة ما بعد الشاه يعاد رسمها بالحروب والدمار والاذرع. منذ اندلاع ثورتها حتى اللحظة، هي في اختبار البقاء والاقتراب من فلسطين العربية في عروبة تمزقت عشائر واحزاباً وجمهوريات قاتلة ومقتولة وممالك يملكها غرب يدخلها كالفاتح ويستقبل كصديق.
الجديد حقاً، هو ما لم يكن متصوراً في ما قبل هذا الانحطاط.
أن تصبح اسرائيل شريكا في “حلف ناتو” عربي، لتصفية فلسطين، وحذف من لا يزال على ايمانه بها… من قبل، كانت الانظمة تتهرب او تنأى بنفسها او تعلل تقاعسها بالضعف. ولا مرة كانت فلسطينية، ولكنها، ايضاً، ولا مرة كانت اسرائيلية… الجديد، أن اسرائيل العربية، ستكون على رأس هذا الحلف…”صفقة العصر” مقرونة بحلف ناتو اسرائيلي ـ عربي ـ سني سياسياً، هو الجديد .والسؤال المطروح لم يعد في السياسة، بل خارجها. صفة السنية هنا، سياسية، لا مذهبية. فالسنة، كانوا من قبل، وما زالت اكثريتهم، فلسطينية جداً.
السؤال الجديد، ليس من سيقتل فلسطين؟ السؤال: انت مع من؟ انا أين؟ كلنا إلى متى؟ لم يعد مفيداً أن تدين انظمة تدربت على تقبيل اليد لا كسرها. لم يعد مجدياً سرد لائحة الاتهام. بات كل ذلك معروفاً جداً. السؤال: هل سينتصر القتلة على فلسطين؟ وما كلفة اسقاط صفقة العصر؟
الحروب السالفة بين العرب والعرب، فتحت الطريق لمشروع التصفية. فأين ستقع هذه الحرب؟ هل يعقل أن تمر صفقة العصر بدون حروب اقليمية؟ العراق منكوب داخلياً ومنعدم خارجياً. سوريا مشغولة بما بعد حروبها، وهي خارجة منهكة ومثخنة من كل الجهات. الاردن، ليس في الحسبان. مصر، شريك لا شقيق. السعودية، عرابة التصفية.
السؤال: من يقدر على إسقاط التصفية؟ وأين وكيف؟ وكل ما عدا ذلك معروف ومتداول ويومي، المعركة المقبلة فلسطينيا سؤالها هو: إما اكون او لا اكون.
بعد ذلك، لا تسأل: “كيف تقتل بضمير مرتاح؟”
لأن الضمير العربي فقد نصاعته، عندما تمذهب، وترسمل، وصار خرقة يمسح بها النظام الرسمي العربي حذاءه.
السؤال المبرم للعرب: “كيف تقتل بضمير مرتاح”؟
*العنوان مقتبس من كتاب: صناعة العدو، لبيار كونيسا