طلال سلمان

كل شيء تمام: دقي يا مزيكة!

من الطبيعي أن تتردد الصيحات التي تطلقها الجماهير الغاضبة في لبنان في ميادين مختلف العواصم العربية، لا سيما وانها تعبر عن مطالب محقة تشمل قضية الحريات العامة (حق التظاهر والاعتصام، والانتخاب خارج القيد الطائفي، حق التعليم العام والتطبيب والاستشفاء، حماية حرية الاعلام والمعرفة الخ..)

كان لبنان في ماضيه القريب، جامعة أهله العرب ومصيفهم، ودار البهجة والانشراح، ثم صار مصرفهم ومقصدهم للتبضع والتعرف إلى الازياء الجديدة فضلاً عن كون بيروت دار الطرب والمنتدى الفكري وصحيفتهم ومقهاهم الخ..

لكن دول النفط العربية اختلفت جذرياً في حاضرها عنها في ماضيها: صار فيها جامعات ومصارف ممتلئة بالذهب، وصارت لها علاقات دولية مميزة، وصارت لها ـ سياسيا ـ الموقع الممتاز نتيجة غناها بالنفط والغاز، ورفعت الحظر عن التعامل مع دول الاتحاد السوفياتي السابق، وروسيا بشكل خاص إضافة إلى الصين..

بل أن السعودية عمدت، مثلاً، إلى إحياء الفنون عموما، بما فيها تمكين الناس من التعرف على الحضارات القديمة في الصحاري الشاسعة والمدن الحديثة والتراث البدوي ـ غناء ورقصاً وموسيقى ـ مستعينة بالفنانين من لبنان ومصر وسوريا والعراق، فاذا هناك كنوز من الفولكلور البدوي.

أما دولة الامارات العربية المتحدة فقد جعلت من دبي عاصمة للفن والطرب والثقافة (معرض الكتاب في الشارقة خاصة) واستديو ضخماً للأعمال الفنية حتى صارت مقصد الفنانين عموما والكتَّاب الراغبين في التقاعد المبكر.

بالمقابل فان امارة قطر تحاول تخطي “أهلها” وجيرانها في شبه الجزيرة العربية بنفخ دورها السياسي والالحاح في طلب اعتمادها وسيطاً مقبولاً لحل النزاعات في مختلف المناطق، ولم تتورع عن إقامة علاقات مفتوحة مع العدو الاسرائيلي، ونسجت تحالفاً استثنائيا مع تركيا، وخاصمت مصر، بعد احتضان الدوحة تنظيم الاخوان المسلمين، ووسعت مدى نشاطها الثقافي والإعلامي (قناة الجزيرة) واقامت جامعة دولية تستقطب العديد من الكفاءات الدولية..

وكان طبيعياً أن يصطدم هذا الطموح المفتوح بالنفوذ التقليدي للدول الأكبر والأغنى في شبه الجزيرة العربية (السعودية والامارات والكويت..).

ولقد مكنت ثروة الغاز قطر من لعب دور عربي وسياسي يتجاوز حجمها، وان لم يتجاوز قدراتها المالية، واستعدادها الدائم لإقناع العرب بكونها عاصمة مختلفة، عربية ولكنها تقدم قاعدة العديد للولايات المتحدة الاميركية وتركيا، وتستقبل الطبقة السياسية في لبنان لإنجاز “اتفاق الدوحة”، وهي جاهزة للتدخل في كل نزاع، عربي او دولي، والخط مفتوح بين الدوحة والبيت الابيض في واشنطن، كما أن الشيخ خلع اباه وأبقى له حرية التنقل بيخته الملكي في البحار القريبة، وان ظل مقره لندن.

من دون أن ننسى انها تجرأت على العرب وخرقت الحرم المفروض على العدو الاسرائيلي فاعترفت بدولته وسمحت له بسفارة فيها كما اقامت سفارة في تل ابيب..

ها هي الدوحة تقدم قرضاً محترماً للدولة في لبنان لتمكينه من تفريج ازماته الاقتصادية والاجتماعية.

دويلة بحجم كف مفتوحة تتصدى للوساطة في ازمات دولية، وتستقطب العديد من الكتّاب والمفكرين العرب، وتتصرف وكأنها دولة عظمى..

أما لبنان الذي افقرته حكوماته المتعاقبة، وهجرت نخبة ابنائه ازماته الخطيرة ـ سياسياً واجتماعياً ـ فيعجز اليوم عن تشكيل حكومة جديدة، وشعبه مقيم في الشارع احتجاجاً على الفراغ المدوي في مركز القرار (فمجلس النواب مقفل بالمتظاهرين الغاضبين والعسكر الذي يواجههم بقنابل الغاز، والليرة في تدهور سريع، والناس على حافة الجوع).

على أن رئيس البلاد بخير،

والداماد يصر على أن يكون الممثل الخاص للجمهورية جميعا، وليس رئيسها فحسب،

ولا حكومة في البلاد: بل رئيس لحكومة مستقيلة تتعسر ولادتها..

والاقتصاد يتدهور، والشباب يهاجر متى وجد فرصة للنجاة بنفسه!

كله تمام! دقي يا مزيكة!

Exit mobile version