غزة ـ حلمي موسى
تتوالى الأيام والتغييرات في المشهد طفيفة، إلا أن الأمل بقرب زوال الغمّة دائم.
ومن الواضح أن آمال العدو بقرب تحقيق نصره علينا، وحسم معركته، تتضاءل. فالعراقيل التي تواجه حرب الاحتلال ضدنا باتت أكثر مما كان يتخيل. هناك أولا صمود المقاومة، وثانيا صمود الشعب، أو لنقل صمود الشعب والمقاومة.
فالشعب يتحمل القصف والخسائر والمعاناة كلّها التي يفرضها العدو عليه بهدف معاقبته لاحتضانه للمقاومة، ومن أجل دفعه للتمرّد عليها. أمّا المقاومة، فهي تبلي بلاء حسنا، يفوق توقعات أفضل مناصريها. وهي حتى اليوم السبعين من الحرب، بقيت قادرة على إطلاق الصواريخ بعيدة المدى وصولا الى القدس، وقبلها بأيّام قصفت رشقات على تل ابيب. كما بقيت المقاومة قادرة على التحكم في ملاحقة العدو حينا، واستدراجه الى كمائن أحيانا، ما أوقع خسائر لم يكن يتصورها في صفوفه.
والواقع أن العدو، بسبب ضربات المقاومة وتجنبا لها، صار أشدّ خشية في محاولاته للتقدم برا. وهو أوقف تقدم حشوده تقريبا، وعاد إلى القصف الجوي والمدفعي والبحري، على أمل إنهاك المقاومة وتسهيل تقدمه في مرحلة لاحقة، في عدد من المحاور الرئيسة.
غير أن العدو يواجه حاليا، بالإضافة الى صمود المقاومة، عجز المجتمع الإسرائيلي نفسه عن تحمل تبعات الحرب. صحيح أن الحديث يكثر عن الروح القتالية الانتقامية ضد الفلسطينيين سواء في غزة او الضفة، ولكن تبعات الحرب الاقتصادية والاجتماعية والنفسية باتت هائلة وهي أقرب الى نقطة انعدام القدرة على الاحتمال منها الى الصمود.
وقد رأينا جزءً من ذلك في الموقف الأخير من تبادل الأسرى. إذ عادت إسرائيل للمطالبة بصفقة لتبادل الأسرى عبر مفاوضات تجريها مع قطر. وتحاول حكومة نتنياهو التخفيف من نقمة الشارع عليها عبر الإعلان بأنها، للمرة الاولى منذ بدء الحرب، تبادر هي لعرض صفقة “مغرية” على “حماس”.
وطبعا، مازالت معطيات هذه الصفقة مجهولة حتى الآن، وربما يكون كل ذلك مجرّد كلام للاستهلاك الداخلي، خصوصا بعد قتل الجيش الإسرائيلي لثلاثة محتجزين في نوع من الفضيحة الداخلية والدولية.
فالجيش الاسرائيلي يقول إنه يشنّ حربا أحد أهدافها هو استعادة الاسرى، ويدّعي أن الحرب البرية ترمي لممارسة الضغط على “حماس” للقبول بصفقة مريحة لإسرائيل، كما يؤكّد إنه يركز المعلومات الاستخبارية التي لديه، ولدى الطائرات الامريكية والبريطانية، والتي يدّعي أنها كثيرة، لكيّ يوجّه قواته للضغط بعيدا عن أماكن المخطوفين. وفجأة، يتبين أن كل ذلك ليس أكثر من كلام فارغ.
ثلاثة أسرى واعون لطبيعة الجيش الاسرائيلي واخلاقياته، ينزعون ملابس الجزء الأعلى من أجسادهم، ويتقدمون بصدور عارية نحو موقع للجيش الاسرائيلي حاملين رايات بيضاء، دليل الاستسلام.
لكن “الجيش الأكثر اخلاقية في العالم” لديه تعليمات بالقتل بصرف النظر عن أي شيء. قتل المدنيين في بيوتهم وقتل المدنيين خارج بيوتهم والتأكد من قتلهم بعد ذلك. وكل ذلك في مخالفة صريحة لقوانين الحرب التي تحظر قتل كل من لا يشكل خطرا، وخصوصا قتل الأسرى أو قتل كل من يستسلم.
وأظهر قتل المحتجزين الاسرائيليين الثلاثة، الرأي العام الإسرائيلي كما العالمي، مستوى الإجرام في تعليمات إطلاق النار التي يتّبعها جيش العدو. فوحدات القنص في جيش الاحتلال هي وحدات إعدام من دون محاكمة، خصوصا للمدنيين، ويشهد على ذلك آلاف الشهداء الفلسطينيين الذين أرداهم القصف والقنص.
غير أن التركيز لم يتّجه نحو تعليمات إطلاق النار الإجرامية، وانما إلى تراجع الموقف الاسرائيلي من رفض التبادل، وكلام حكومة نتنياهو عن استعدادها للإفراج عن أسرى فلسطينيين، حتّى ممن تعتبر “أياديهم ملوثة بالدماء”.
من الواضح أن الأمور تتجه نحو تعقيدات جديدة وعلينا متابعتها.
**بالمناسبة، عادت اليوم، وللمرة الأولى أيام، بعض وسائل الاتصال للعمل في رفح. على أمل أن يستمّر ذلك.