طلال سلمان

كتاب مشترك مفتوح لمعالي وزير الطاقة

من أجل حماية الثروة الوطنية لأهلها، أي اللبنانيين، كل اللبنانيين، في يومهم وغدهم، نتمنى على كل المهتمين بمستقبل لبنان المشاركة في توقيع هذا الكتاب المفتوح.

دور الدولة في الانشطة البترولية:
أسئلة لمعالي وزير الطاقة والمياه سيزار ابي خليل المحترم

تحياتنا واحترامنا وبعد،
في تصاريح أدليتم بها بعد موافقة غالبية الوزارة الجديدة على مرسومين نفطيين كانت الحكومة السابقة قد امتنعت طوال ما يقارب الثلاثة أعوام عن إقرارهما، أكدتم عزمكم على المضي بسرعة نحو ابرام اتفاقيات استكشاف وانتاج مع الشركات المختصة. هذا بالاضافة  الى  تطمين المواطنين على ان  لبنان يقارب هذا التحدي الكبير بثقة لا يضاهيها سوى ما يمتاز به من الشفافية و “أفضل نظام حوكمة في العالم في قطاع البترول والغاز”، علاوة على “منظومة تشريعية هي أفضل ما يوجد في العالم”.

وان كان من أعز امنياتنا ان نشاطر معاليكم هذه الثقة وهذا التفاؤل، فهذا لا يمنع من ان نكون من عداد الكثيرين الذين تقلقهم شتى علامات الإستفهام التي تطرحها مسيرة البترول والغاز عندنا حول عدة نقاط جوهرية، وفي طليعتها:

1 – الشفافية والحوكمة : حبذا لو تفضلتم وفسرتم كيف ترون التوفيق بين ما أكدتموه في هذا الصدد، والسرية المحكمة التي امتازت بها مسيرة البترول والغاز حتى الآن، بما في ذلك المرسومان اللذان تم إقرارهما مؤخرا على عجل بعد تعتيم دام نحو اربع سنوات، وخاصة المرسوم الذي يتضمن نموذج اتفاقيات الاستكشاف والانتاج المزمع عقدها- Exploration and Production Agreement, EPA- ، والذي ينص اصلا في المادة رقم 35، تحت عنوان  “الإلتزام بالسرية”، على منع كل من يطلع على شروط الاتفاقية من “الإفشاء” بها، جملة وتفصيلا. مما يعني ان اللبنانيين سيحرمون من معرفة شروط استثمار ثروتهم طوال فترتي الاستكشاف والانتاج، اي ما يقارب اربعين عاما!…

2 – “المنظومة التشريعية” : من المعلوم  ان النص الوحيد من التشريع البترولي الذي  وضعته السلطة التشريعية المختصة، أي المجلس النيابي، هو القانون البترولي 132/2010 الذي لا يتضمن سوى مبادئ عامة، دون أي رقم ودون توضيح أي من الشروط العملية اللازمة لاستثمار هذه الثروة. اما القسم الأعظم من نصوص “المنظومة التشريعية” فقد تمت صياغته بالانكليزية من قبل جهات أجنبية  او وطنية، قبل ان يرسل لهيئة البترول لترجمته للعربية. الا ان هذه النصوص، وفي طليعتها نموذج الاتفاقيات (EPA)، الذي يشكل القسم الأهم في التشريع البترولي، فلم تتح للمجلس النيابي ولو امكانية الاطلاع عليه (كما اشار الى ذلك مؤخرا رئيس لجنة الطاقة في المجلس النيابي)، كما  لم تترك لمعظم الوزراء الجدد سوى 48 ساعة لدراسة وتمحيص  واعطاء الموافقة على احكام مرسومين يمتدان على 472 صفحة. هذا الوضع يطرح السؤال : من المسؤول عن التشريع في هذا القطاع الحيوي في بلادنا؟ هل هم النواب الذين انتخبهم المواطنون،  أم بضعة موظفين في الدولة بالتعاون مع مستشارين مجهولي الهوية ؟

3 – ازاحة الدولة عن صناعة البترول والغاز : لقد أكدتم في 19 كانون الثاني الماضي ان “الدولة تدخل في كل مفصل من مفاصل الأنشطة البترولية ولها حق الاستنسابية، وعند اول فرصة نحصل على اموال نبني الشركة الوطنية”. هذا التأكيد يستدعي ملاحظتين :

الملاحظة الاولى هي انه من الصعب فهم هذا الوضع على ضوء المادة 5 من مرسوم الEPA الذي تم إقراره مؤخرا والتي تقضي، خلافا للقانون 132/2010 بانه: “لن يكون للدولة نسبة مشاركة في دورة التراخيص الاولى” . وتليها المادة 16 لتحصر دور الدولة وهيئة البترول في الانشطة البترولية بحق طلب تعيين مجرد “مراقبين” في لجان ادارة الشركات العاملة.

الملاحظة الثانية هي ان نفس المرسوم يتجاهل نظام “تقاسم الانتاج” المعروف في عشرات البلدان والذي يشير اليه القانون،  ليستعيض عنه بمفهوم “تقاسم الارباح”، الذي لا وجود له في صناعة البترول والذي يشكل عمليا عودة مقنعة الى نظام الامتيازات القديمة التي انتهت كل الدول المصدرة من تأميمها في مطلع السبعينيات من القرن الماضي. أهم وأبرز ما في الموضوع هو ان نظام تقاسم الانتاج يحصن السيادة الوطنية ويحصر حق ملكية كل ما يتم اكتشافه من البترول/الغاز بالدولة، ويقوم على مشاركة الدولة الفعلية بالانشطة البترولية، عبر شركة نفط وطنية، مما يفسح في المجال لاكتساب الخبرة وتدريب الكوادر الوطنية والمراقبة، من الداخل، على عمليات وحسابات الشركات العاملة، الخ…

على عكس ذلك فان دفتر شروط الحصول على حقوق استكشاف وانتاج لا يأتي في مادته رقم 5 على أي  ذكر للدولة، اذ يحصر حق طلب التراخيص ب”شراكة تجارية غير مندمجة” مؤلفة من ثلاث شركات على الأقل حصلت على تأهيل مسبق، منها  طبعا شركة كبرى تقوم بدور المشغل (Operator) بحصة لا تقل  عن 35% ، وشركتين  أو أكثر  غير مشغلتين (Non-operators) بحصة 10% على الأقل لكل واحدة.   هذا ما يفتح باب المشاركة مع  المشغل، اي احدى الشركات العالمية التي لا بد منها، للشركات الوهمية التي اعلن المرسوم 9882//2113 تأهيلها، بضعة اسابيع بعد تسجيلها، احيانا تحت اسماء مستعارة، وبرساميل رمزية، من نوع Petroleb التي سجلت في بيروت وApex Gas التي سجلت في هونغ كونغ برأسمال يعادل 1,300 دولار امريكي، الى جانب شركات صغيرة مارقة اخرى يكفي الرجوع الى Google او غيره من المصادر لمعرفة تاريخها الحافل بعمليات الاحتيال والملاحقات القضائية. فما هو يا ترى مبرر تأهيل مثل هذه الشركات؟

الملاحظة الثالثة تتعلق بالحاجة، كما أشرتم على حق يا معالي الوزير، للرساميل اللازمة للمشاركة في الأنشطة البترولية عبر شركة نفط  وطنية. الا ان هذه  الحاجة بالذات كانت اصلا، ولا تزال، في طليعة الأسباب التي أدت لتبني وانتشار نظام تقاسم الانتاج. والسبب هو ان هذا النظام يقوم على منح شركات كبرى حق التنقيب على نفقتها، فان كانت النتيجة سلبية ينتهي الاتفاق. وفي حال حصول اكتشاف تجاري، تدخل الدولة كشريك وتسدد تدريجيا حصتها من النفقات السابقة للشريك الأجنبي عن طريق ال Carried interest. مع العلم ان قيمة نصيبها من البترول/الغاز المكتشف قد ترتفع على الارجح الى مليارات الدولارات، وان المصارف وغيرها ستتسابق حينذاك لتقدم لها ما تحتاجه من تسهيلات مالية.

اضافة الى ذلك، يبدو من المستحسن ان تكون شركة النفط الوطنية شركة مختلطة بين القطاعين العام والخاص، مما يتيح لكل اللبنانيين، وليس فقط لبعض “رجال الأعمال” المحظوظين من اصحاب الشركات الصورية، امكانية المساهمة فيها تحت شروط معينة، كما هي الحال بالنسبة لشركات وطنية اخرى كالايني الايطالية او الستاتويل النروجية على سبيل المثال. ومهما كانت الشروط، يبدو من المقلق ان يفكر لبنان بدخول عصر البترول والغاز دون شركة وطنية، وان يظل البلد العربي الوحيد بما في ذلك اقليم الكردستان العراقي، وشبه الوحيد في العالم الذي لا يملك شركة، او عدة شركات نفط وطنية تمثل الدولة والمواطنين، في كل مراحل الصناعة.

اخيرا لا آخرا، تجدر الاشارة الى ان معدل حصة الدولة من استثمار الغاز على اساس الشروط الحالية لنموذج EPA ( إتاوة  4% تضاف الى النفقات و30% من الارباح وضريبة دخل 15%) يظل خلال سنوات طويلة بعد انطلاق الانتاج دون الحد الادنى مما هو عليه في الدول الاخرى حيث يتراوح بين 60% و80% او أكثر، في النروج مثلا، من ارباح الشركات العاملة (هذا اذا  افترضنا انه من الممكن التحقق من ارباح شركات عملاقة، على الرغم من اقصاء الدولة). لا بل انه يبقى ادنى مما كانت تؤمنه الامتيازات في القرن الماضي، أي إتاوة 12,5% من قيمة الانتاج تحتسب من النفقات، تضاف اليها ضريبة 50% على الارباح.

نشكركم سلفا، يا معالي الوزير،  لكل التوضيحات التي ينتظرها اللبنانيون لازالة علامات الاستفهام حول هذه النقاط البالغة الخطورة في مسيرة ثروة موعودة يتوقف عليها الى حد كبير، ولعقود طويلة، مصيرهم ومصير وطنهم لبنان.

بانتظار ذلك نرجو لكم كامل التوفيق في تحمل مسؤوليتكم، مع التفضل بقبول فائق التقدير والاحترام.

 

يمكن التوقيع عبر إضافة اسمكم في خانة التعليقات

 

Exit mobile version