طلال سلمان

قناعات نسوية

انتهت حصة المساء من حديث المصارحة على وعد أن نلتقي على بوفيه العشاء بعد أقل من ساعة. قررت أن أقضي هذه الساعة بعيدا عن كل المؤثرات. اخترت موقعا على الشاطئ وقد خلا تماما من النزلاء وضيوفهم. تمددت بكل ثيابي وقبل أن أستسلم للظلام الدامس بحثت في صفحة مفاتيح الهاتف عن موقع للموسيقى أفضله عن غيره. انسابت النغمات وارتخت الأعصاب وكانت مشدودة. مرت الدقائق رتيبة على وقع مزيج مريح من موسيقى هادئة وإيقاع منتظم صادر عن أمواج لا عزم فيها أو قوة تكاد تلامس الأرض بعد أن كانت قبل ساعات ترتطم بها في غضب وعنفوان. شيء ما من داخل هذا السكون بعث برسالة تبلغني أن شخصا في مكان قريب يتنفس، وبعد قليل سوف أسمعه يسعل سعلة خفيفة يستأذن بها فأسمح له بالاقتراب تمهيدا لتنفيذ خظة اقتحام أجوائي وتحصيناتي.


قالت، سمعتك تحاور مجموعة متميزة من نساء. أقول متميزة لأنني أعرف بعضا منهن وأعرف أيضا الدور أو الأدوار التي يقمن بأدائها في ساحة نضال حقيقي من أجل نهضة المرأة، سمعتك وسمعتهن. بداية أشكرك وأشكر موافقتهن على دعوتي لحضور هذا اللقاء. سمعتهن يسررن إليك بتفاصيل شخصية جدا عن علاقاتهن بشركائهن في هذه الحياة. أثرتم فضولي، هن وأنت. من أنت، وبالتخصيص من أنت بالنسبة لهن حتى يقصصن على مسامعك حكايات لم نتعود في مجتمعاتنا أن حتى نقصصها على القريبين والأصدقاء. قضيت ساعات أسمع ما تتبادلون من كلام، فكرت أكثر من مرة أن أقتحم نقاشاتكم وأطلب ضمي فأنا أيضا لدي تفاصيل قضايا تخصني. لم أفعل، وحسنا ما لم أفعل، كنت وفي داخلي واثقة كل الثقة أننى لو تدخلت لتراجعت الصراحة. هذا المجلس يخصك ويخصهن، العشرين امرأة، ولا يخص غيركم.


أشعر أنك غير راض عن اقتحامي خلوتك وقد فضلته على اقتحامي نقاشاتكم. أنت أيضا لا شك تفضله. الآن وقد وقع المحظور ولا أمل لديك في رد الاقتحام فسوف تسمح لي بالتعبير عن رأيي، وهو أيضا صريح ومباشر التزاما من جانبى بأسلوبك الذي فرضته على هذه الحوارات. لن أطيل إلا إذا وجدت فيما سوف أقول ما يستحق ردودا مطولة من عندك، عندئذ اسمح لي أن أقترح استكمال جلستنا وقد صارت حوارا بعد انفضاض عشائكم. طبعا الدقائق المتبقية لنا معا في هذه البقعة وفي هذا الهدوء الممتع والسكون الموحى لن تسمح لي بالتعرض لأكثر من موضوع من موضوعات عديدة أثيرت في مجلسكم.


اسمح لي أشعل سيجارة وأبدأ كلامي بإعلان اعتراضي على اهتمامكم المبالغ فيه، النساء وأنت، بموضوع الخيانة. أتفهم موقف أغلب النساء المشاركات في النقاش. وتفهمت موقفك ولكن متأخرة. أتفهم موقف النساء فكلهن بدون استثناء معترضات على سلوك أزواج يعتنقون مبدأ الحق في عدم الالتزام بزوجة واحدة أو بشريكة واحدة. أغلبهم ينشأون في ثقافة ترسخ حق الرجل في تعددية نسائه، الطبيعة تشترطها وأحيانا تفرضها وبعض الأديان تسمح بها والرجل قننها وفلسفها منذ أن احتكر المهنتين في مطلع الحضارة الغربية. سمعتك تستدعي اهتمام النساء إلى حقيقة أن بعضهن يسلمن للزوج بحق أن يتزوج بامرأة ثانية وربما ثالثة ولكن يقمن الدنيا لو اختار فوق الزوجة الثانية والزوجة الثالثة إقامة علاقة خارج الزواج مع امرأة ثالثة أو رابعة. قالت إحدى المشاركات بل إن نظرة إعجاب، طالت أم قصرت، في عرفها خيانة. قالت أخرى بل إن مجرد التفكير في امرأة أخرى غير زوجته أو الانشغال بمهام إرضائها وتوفير الراحة لها فكلها وغيرها تقع تحت عنوان الخيانة. أتفهم رفضهن لاحتمالات قيام علاقات عاطفية، بريئة من الجنس أو على الأقل مضبوطة الرغبات والشهوات، تقوم وتستمر بالتوازي مع علاقة زوجية. لم يقبلن فكرة ازدواجية العاطفة، مثل حب تخلف من مرحلة ما قبل الزواج. حب قديم لا يمحوه الزواج يعيش جنبا إلى جنب مع حب صنعته عشرة العلاقة الزوجية. تفهمت، وإن بتحفظ، موقف أغلبية النساء الرافض للفكرة حتى وإن كانت واقعا متكررا في مجتمعاتنا. قررن أنها خيانة.


كنت كعادتك ناعما في توجيه اللوم أو العتاب لبنات تعتقد أنهن بطبيعتهن ينتمين إلى جنس ناعم. ولكنك كنت واقعيا، وبقسوة، عندما تعمدت أن يتواجهن مع أنفسهن وفي وجود جميع الزميلات والصديقات. سؤالك الصريح عن عدد المرات التي اتيحت لكل منهن لتقيم علاقة مع رجل آخر أو على الأقل كانت فرصة للاعراب عن إعجاب متبادل أو من طرف واحد، وهل يحق على هذه التصرفات العابرة وقصيرة الأجل إطلاق صفة الخيانة، أم أن هناك أوصافا أخرى أقل تشويها وإدانة. أظن أنك أثرت نقطة تستحق أن تناقش بما تستحق من عمق وفهم. قلت إن الحب درجات وأنواع، وقد أحسنت حين أمليت عليهن قائمة من عشرين كلمة في العربية تعنى الحب أو درجات منه. سؤالك عن سلوكيات الزوجات جاء في وقته ومحله. هل شعرت إحداهن بالذنب وهى تستخدم إحدى الكلمات العشرين المرادفة لكلمة الحب أثناء تعاملها مع زميل أو شريك أو عابر طريق أو رفيق درب. هن يقسون على أنفسهن. هن يعذبن أنفسهن. هن يجلدن ذواتهن وضمائرهن. كنت محقا حين جعلت مهمتك إقناعهن بأن معركة تحرير المرأة تبدأ برفع الشعور بالغبن الدائم وتغيير الكثير مما تتضمنه مفاهيم المرأة المصرية عن الرجل وعن نفسها.


انهض يا رجل فقد حان موعد العشاء والنساء في الانتظار.

تنشر بالتزامن مع جريدة الشروق

Exit mobile version