طلال سلمان

قمة جدة.. عفا الله عما ارتكبناه

فُرجت. التقى “العرب” في قمة “الأعدقاء”. تم تكنيس العداوات. الماضي؟ كأن شيئاً لم يكن. سوريا عادت أو أعيدت الى الاحضان “العربية” المطعمة بدول “التطبيع” جلسوا كلهم. علكوا كلاماً “موزوناً” خرجوا ليعودوا الى ممارسة “سلطاتهم” بالحياد الظاهر.
غريب.
فجأة سقط الوحي. كُتبت الأوراق. حُذف الدم العربي. ساد تفاهم “الخناجر”. “الجمهور” العربي المنتظم بات مهتماً بتهنئة سوريا وفوزها وصمودها، فيما “الجمهور” العربي المختلف، رجَّح حكمة السعودية وتغاضي إيران.. المهم والأهم، ان الاعلام والحركات والتيارات والانتماءات والخنادق، ستعيش فترة تعايش إكراهي.. وكراهية مكبوتة. ولا أحد يعرف إن كانت قلوب الشيعة والسنة والـ.. ستكبت احقادها ام ستؤجلها أم تحدث المعجزة ويكون الشعار الجديد: “عفا الله عما مضى”.. ويسود الصمت الديني أو المذهبي!
أظن ان هذا مستحيل.
هذه الانفراجة السريعة، بعد الانفجارات المدمرة، ستتيح لأهل السياسة والاعلام والمال والملل والنحل، صياغة يوميات باهتة، وتغييب دماء سفكت.
غريب. قمة على عجل. بيان ختامي اعجازي. نداء تمت صياغته على عجل. انصراف سريع لإعادة الأمور الى نصابها الإقليمي، وختم المعارك بالشمع الأحمر. ما مضى قد مضى، ولا حاجة ابداً لإعادة فتح ملف مكتظ بالدماء والقتلى، الذين لقبوا بالشهداء، في الخندقين، او في الخنادق المتصفة والمنفصلة.
غريب. القمة، انتجت “لمة” قيادات. كأن الزمن بدأ في قمة السعودية. الأمر المريب والمعيب، أن الحروب تُخلّف قتلى ودماراً بشعاً ومكلفاً. الدمار، طريق الى إعادة الإعمار وإعادة الإعمار تثير شهية الشركات ذات الأرباح الخيالية. يصاحبها، ديون مستحقة، يدفعها “الشعب” (بالإذن من استعمال هذه الكلمة، لأننا لسنا شعوباً، بل اتباع) الى يوم الدين.
قمة للسلطات العربية. “الشعب” العربي، معتقل. مُبدَّد. مقهور. يعيش انعدام الأفق. يعاني فقراً وجوعاً واضطهاداً وتنكيلاً وتقييداً. القمة غير معنية ابداً. السلطات العربية كفيلة بكتابة نصوص “جماهيرية”، خالية من الحياة الحقيقية التي يعيشها “المواطن” العربي. ولا بد من التأكيد، على ان “المواطن” العربي ممنوع منعاً باتاً.
ذلك، ان الحكم الملكي، والحكم الاميري، والحكم العسكري، والحكم السلالي، صادر الحرية والإنسانية، وألزم الناس، بأن يبددوا آلامهم وآمالهم، وأن يتحسسوها بصمت وكتمان.
لنفتح صفحة أخرى، لنقرأ ماذا حصل فعلاً في الميادين العربية. وماذا يحصل الآن. نبدأ من لبنان: “اتفاق الطائف” اغلق حلف القتل. تعامى عن القتلى. تناسى بود انتهازي، القتلة، الذين وقعوا ” برصاصهم” على الجراح اللبنانية في “اتفاق الطائف”. الموقعون يعبرون من مجزرة القتل، الى نعيم “التوافق”. المجازر، مُحيت من الوجود والذاكرة. عدد المجازر لا يُحصى. القتلى بعشرات الآلاف، بل بمئات الآلاف. المخطوفون لم يعودوا. (الخاطفون امراء الامس واليوم). الدمار بات ربحاً. “سوليدير” نموذج. دفنت ساحة الشهداء. صارت الساحة شهيدة.
لنتوغل في الحفر. سنجد الذاكرة صامتة. لكن الدم ما زال حاضراً في مواجع الاهل والابناء والعائلات. إن الدماء التي سفكت اورثت جراحاً في الروح. عجزاً عن المساءلة. ثم خطف “الشهداء” الى النسيان. لا أحد يتذكر الشناعات. الاعلام مشغول بالأسماء والتصريحات والتفاهات. انحياز الاعلام، لتكوين جبهات إعلامية، خطف الواقع. هناك من طاف يدق أبواب المال، فأنجب إعلاماً إملائياً. هنا، وفي كل الكيانات العربية، من المحيط الى الخليج.
نحن ضحايا الحرب اللبنانية، ثم صرنا ضحايا ما بعد اشتعال البوعزيزي، في تونس، وامتداد شعلته الى كيانات، فتك فيها العنف الديني، بكل بشاعاته وقتامته و”ثقافته” السوبر رجعية. لا رحمة ابداً للذين قتلوا. لا وصف لأمهات فقدن الأحبة. لا مشاعر على من نزف وتشوَه. ابداً. كأن شيئا لم يكن. القرار واضح: يجب حذف ذلك. لا نكء للجراح.
ماذا تغيَر، لا شيء. الحرية ممنوعة. المحاسبة خيانة. الديموقراطية رجس من قبل.. فاجتنبوه. الاعتراف بالمواطن. لا نحلم بذلك. أنت كعربي، إما تابع أو تابع في الصمت. الصمت هو السجن العربي، من المحيط الى الخليج. وليس غريباً بأن يختلف العرب على كل شيء، باستثناء اتفاقهم على توسعة السجون، وتزويدها بكل ما يلزم من التعذيب، حتى الإهمال.
نحن أمة ممنوعة ان تبكي. البكاء تهمة. لأنه يحيى ذاكرة الانسان فينا. ممنوع إلا ما هو مسموح. وما هو مسموح، هو تمجيد الحاكم العربي، او مبايعته من دون أي اكراه ظاهر.
باختصار. الإنسان العربي ممنوع. حقوق الإنسان “بلوَها واشربو ميتها”.
لنترك لبنان: الحروب السورية المتناسلة، مع وضد، ماذا انتجت. من الفائز فيها؟ من المستمر؟ الجواب واضح جداً. ربحت السلطة ومن كان ضدها موعوداً بربح يسير.
عندما تتم صفقة “الاخوة الأعداء”، تعود الأمور الى مجاريها. لا حرية لا.. لا إنسانية. الأمهات تدربن على القهر والنسيان والألم النبيل والمكتوم. البكاء ممنوع لأنه يثير عصبية العدالة.
ماذا تقول؟ العدالة! إنس. أنت في قارة تحتية او سفلية، لا قيمة فيها للإنسان والدماء والدموع والعدالة و.. توقف عن الكلام. الإنسانية في “دنيا العرب”، يصح عليها، “قفا نبكِ” الخنساء ممنوعة من الرثاء. إذا، لا تحزن. اكتمه- فليكن خبزك اليومي المؤلم والمر، كرامة شهداء ماتوا، قتلوا، اغتيلوا.. ومدافنهم في العراء. وهو عراء لا تراه إلا السماء.
أين الانسان في دول وإمارات المال والدلال الدولي؟ لا تسأل. الانسان، إذا اعترف بحقوقه، يصير كائنا مخيفاً. يصبح قابلاً للتفكير. التفكير كفر ديني وسياسي. “ما تفكر. نحنا منفكر عنك”؟
كيانات، تعيش على فتافيت الحداثة، وتمنع كل ما يستحقه الانسان العادي، من حقوق..إنسَ. الحكام العرب، ينظرون الى ناسهم على انهم قطعان. تطيع ولا تُطاع. وهي ملزمة بدفع ضريبة الصمت. لأن الصمت مشبوه. إياك والصمت. إن كنت صامتاً دائماً، فأنت تضمر فكراً وتفكر بقبضة، و..
كل هذا ممنوع.
وحده الألم المكتوم مسموح. الألم الناطق ممنوع. عقابه يكون اسكاتا مؤقتاً، او هرمسياً.
أين الانسان في العراق؟ العراق سائح سياسي في تسلط الأحقاد. والاحقاد في العراق، قاتلة. من يضع نقطة على نص ونصل القتل؟ لا أحد. كل المشتركين هناك، يفضلون التسلط على سلطة معقولة، ولو قليلاً. عبث.
ثم، أليس غريباً أن تنتهي “حرب اليمن” او الحرب على اليمن، من دون تذكر المجازر التي ارتكبت. اليمن معتاد على العنف. منذ نهاية عهد التخلف، دخل اليمن في فقه الماركسية. تقاتل الاخوان. اغتالوا بعضهم بعضاً.. بات “اليمن السعيد”، جحيماً وقتلاه بعشرات الآلاف مراراً. ماذا بعد؟ ها هو متروك بجراحه. والدم الذي سفك من الأبرياء والأغبياء معاً. يوازي سنوات حرب في الحرب العالمية الثانية.
أين هو اليمني؟ أين الكتَاب؟ أين الشعراء؟ اين الابداع، أين هو الانسان؟
لا تسأل ابداً، سيطلع عليك أحدهم ويقول لك: “سد بوزك. شو خصك”.
إن إعادة قراءة نكبات شعب عظيم، حضارياً وانسانياً وابداعياً، بجعلك تمتحن ذكاءك. كيف لهذا الشعب، عندما نال استقلاله، أن يتحول الى مسلخ ديانات! أرومات! فقهيات! اخوانيات! جنرالات يفكرون بجزماتهم وجيوبهم.. ما هذا العصر يا ناس. كأننا بالفعل في العصر الحجري.
ليبيا، فوضى ودماء وحروب وقتلى. الجزائر، لا كلام عنها، انها لا تشبه مقاومتها الباسلة. تحولَت الى شركات سياسية. مع تطبيق مفهوم الشركة. قوامها الربح.
الى آخره، من المحيط الى الخليج.
إذا ماذا؟
لقد تم اغتيال الانسان مراراً. الإنسانية عقيدة متهمة بالنقاء والحرية والعدالة والجمال والحب والتعاون.
حرام ان نعيش موتنا يومياً.
أخيرا، العالم يشبهنا.
هل تعرفون عدد قتلى الحرب الروسية الأوكرانية؟ هل تعرفون كوارث تدمير يوغوسلافيا. الى آخر سلسلة الحروب.
الانسان في هذا السياق، خردة فقط.
أخيراً. نطرح السؤال التالي:
كيف ينحاز الانسان العربي في الصراعات المحلية والدولية؟
كارثة. ولا ذرة تفكير موضوعي. نعاج تُساق الى مسالخ القتل. تؤيد القتل الروسي، او تؤيد القتل الأوكراني – الأميركي.
غريب.
الهبل السياسي يحظى بحضور طاغ في وسائل الاعلام العالمية والعربية والمحلية.
إذا. اكذب. اكذب. اكذب. أخيراً، سيصدقك المستحمرون وينحازون.
عبث.

Exit mobile version