طلال سلمان

في وداع “قمر مشغرة” الدكتور حسن عواضة..

على امتداد ستين سنة من الصداقة، أو يزيد، كنت استمد الشغف بالحياة من الدكتور حسن عواضة، وهو الذي اسقط الموت من حسابه، وقرر أن يعيش عمره حتى آخر لحظة أنيقاً، منتصب القامة، حيوي الفكر، نظيف الكف، مرتاح الضمير.

ابن مشغرة الذي بدأ حياته العملية مبكراً، ظل همه أن يتابع دراساته العليا، بينما هو يعمل في وظائف عادية حتى نال شهادة الدكتوراه في الحقوق.

ولقد جمعته ظروف العمل بالقاضي الراحل أديب علام، وكذلك بالرئيس الراحل الياس سركيس وهو موظف في بعض إدارات الدولة في طرابلس، متابعاً دراسته العليا في بيروت.

جاءته الفرصة لينال حقه في “وظيفة” تليق به مع وصول اللواء فؤاد شهاب إلى رئاسة الجمهورية واختياره الياس سركيس ليكون إلى جانبه عشية المباشرة بإصلاح الإدارة ونفض الغبار عن ملفات الفساد والمباشرة بمحاسبة الفاسدين.

أنشئت المديرية العامة للتفتيش المركزي ومجلس الخدمة المدنية واختير مجموعة من القضاة والقانونيين لتغيير الدم (والمفاهيم) في الإدارة العامة، وكان نصيب الدكتور حسن عواضة مديرية التفتيش المالي.

ولقد اجتهد في مكافحة الفساد، واستدعى إلى التحقيق الكثير ممن تحوم حولهم الشبهات، بينهم مديرون عامون ورجال سياسة نافذون، بل انه طارد الفساد في سفارات لبنان في الخارج التي كان أهل النفوذ يستعينون ببعض كبار موظفيها لتمرير صفقات تصدير واستيراد وأمور أخرى.. وله مواقف مشهودة مع العديد منهم في الخارج، ومع داعميهم في الداخل.

بعد انتهاء عهد فؤاد شهاب، وتولي شارل حلو رئاسة الجمهورية، اختلف المناخ داخل الحياة السياسية وداخل الإدارة العامة.. وتحولت مؤسسات الرقابة والتوظيف بالكفاءة ومعاقبة الفاسدين إلى “حلول وسط” على طريقة: لا يموت الذئب ولا يفنى الغنم..

ولقد عاد الدكتور حسن عواضة إلى مهنة المحاماة التي أعطاها ثلث عمره، وكان مكتبه مقصداً لأصحاب القضايا الصعبة أو المعقدة.

هو واحد من القلة التي لم تتسخ أيديها وظل ضميرها مرتاحاً، حتى والفساد يعم مؤسسات الدولة.. والمجتمع.

رحم الله “قمر مشغرة” الذي بنى نفسه بنفسه مقدماً نموذجاً فذاً للانتصار على مصاعب الحياة بالإرادة والكف النظيف.

Exit mobile version