طلال سلمان

في “عزاء” دونالد ترامب ومن معه: غياب القرار العربي الواحد هو .. الحاضر!

تنفس المواطن العربي بارتياح مع إعلان غياب الرئيس الأميركي دونالد ترامب عن البيت الأبيض، وفوز جون بايدن المرشح البديل والذي كان نائباً للرئيس الأميركي السابق أوباما.

الامر يعني “الشعوب” الأميركية، أولاً وأساساً، ولكن ما يمكن أن نتأمله هو ألا يُسَخر البيت الأبيض لإستدراج القادة العرب، رؤساء وملوكاً وأمراء إلى واشنطن لكي يجعلهم يوقعون على صكوك الخيانة عبر الصلح مع العدو الإسرائيلي.

طبعاً، الأصل في هذا الإفتراض يعود إلى ضعف شخصية هؤلاء المسؤولين العرب، الذين يطمحون إلى مغادرة هويتهم العربية لأنهم يرونها ثقيلة عليهم.. فهم يريدونها فقط، لأنها تمنحهم الأهلية والثقة بالنفس الناجمة عن ثروة النفط والغاز وليس عن شرف الإنتساب إلى هذه الأمة العظيمة بأرضها الصحراوية مختزنة الذهب الأسود والأصفر والأبيض.

ثم أن قادة العرب ملوكاً (البحرين) وأمراء (قطر، الإمارات العربية المتحدة) كانوا أبأس من أن يثقوا بأنفسهم.. ومن ثم بشعبهم.

صحيح أن الثروات التي تفجرت في أرضهم وعند شواطئ بلادهم قد جعلتهم من أغنى دول الأرض، لكنها “دول” بحكام ولا شعب: فقط مجموعة من المشايخ ورعية محدودة العدد، “شعب” من الخبراء والعمال والأجراء المستوردين من أربع رياح الأرض.. يأتون بالطلب والعقود القاسية، فإن اعترض أحدهم أو تلكأ في تلبية أمر سيده طرد شر طردة واستبدل بغيره وهكذا دواليك.

انطلاقاً من هذه “القاعدة” إستطاعت دولة الإمارات العربية المتحدة التي يزيد عدد البدو فيها عن مائة ألف، فاذا ما اضفنا الإيرانيين المقيمين، والذين يأتون ويذهبون يومياً أو أسبوعيا أو شهريا، صار عدد السكان، مقيمين وعابرين ومتبدلين، حوالي أربعة ملايين. لكن ثروة البلاد ذات أصفار كثيرة.

ولقد كان اليمنيون يدعون أن الشيخ زايد من أصول يمنية، ولكن هذا الإدعاء جر عليهم استعمار “جيش المرتزقة” الذي شكله الشيخ محمد بن زايد وأرسله محتلاً إلى اليمن، بجنوبه أساساً وجزيرة سوقطرة في قلب الخليج..

بالمقابل فإن المملكة العربية السعودية تجتهد في تدمير اليمن، شمالاً بالأساس، وإغاراتها الجوية لا تتوقف بحيث كادت صنعاء ومدن أخرى ذات طراز معماري فريد في أرجاء اليمن، تهدم ويغزوها الخراب ليرحل أهلها عنها، إلا أقلية ترفض المغادرة وتبقى في ما بقي من البيوت، بأمل العودة إليها ذات يوم.

***** 

صار لدولة العدو القومي، إسرائيل، سفارة ومركز تجسس ومخابرات في كل من الدوحة، وأبو ظبي – دبي، والبحرين، فضلاً عن مصر والأردن اللتين أقامتا العلاقات مع دولة العدو منذ وقت طويل.

وها هي سوريا، الآن، ممزقة، منهكة، مشرد حوالي النصف من شعبها (بين تركيا ولبنان والمهاجر البعيدة)..

ولقد اندثرت جماهيرية معمر القذافي بعد سقوطه وإعدامه ومقتل صديقه الذي أخلص له حتى الموت، اللواء أبو بكر يونس.. ولجأ الرجل الثاني في “ثورة الفاتح” الرائد عبد السلام جلود إلى فرنسا، في حين لجأ آخرون إلى القاهرة أو إلى المغرب العربي أو إلى بعض عواصم الغرب التي قبلت بمنحهم اللجوء والحراسة.

أما في العراق، فقد احتل الأميركيون أرض الرافدين كاملة، ثم ألقوا القبض على صدام حسين الذي كان متخفيا في بعض جنبات عاصمة الرشيد.. وسلموه لجماهير شيعية مستثارة كي تكون فتنة، لكن العراقيين نجحوا في تجنبها.. واستدعى الأميركان بعض الوجاهات العراقية التي كانت قد لجأت إلى دول بعيدة أو قريبة (كسوريا ولبنان).. ليولوها مراكز الحكم تحت إشرافهم، لفترة إنتقالية، لم تنتهِ مع مغادرتهم أرض الرافدين.

لكن عراق ما بعد صدام كان منهوب الثروة، منهوب الآثار بما في ذلك اللوحات الرائعة وذات التاريخ في المتحف ومواقع السلطة..

وها هي بغداد اليوم عاصمة بلا روح. ما زال دجلة يمخرها من شرقها إلى غربها، لكن تركيا احتجزت بعض مياهه كما فعلت مع الفرات، وهاجمت الأكراد في الشمال العراقي لتكون فتنة..

جزائر المليون شهيد هادئة، بعدما استكان ملايين المتظاهرين الذين احتلوا الشوارع في العاصمة والمدن الكبرى في البلاد.. ولو إلى حين.

ولعل المراقبين يلاحظون بعض الشلل في الحركة الدبلوماسية لجزائر المليون شهيد.. وهي ناجمة عن المرحلة الإنتقالية التي تعيشها جزائر أحمد بن بله ورفاقه وهواري بومدين.

*****

لقد اجتمعت على العرب جملة من العوامل التي أضعفت وحدة موقفهم، إذ افترق الأغنياء من حكام العرب عن فقرائهم، واندفعوا إلى تلبية الإستدعاءات التي تلقوها من الرئيس الأميركي إلى البيت الأبيض في واشنطن، يوقعون على صكوك الخيانة، ويحيون رئيس حكومة العدو الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، ولولا بقية من حياء لعانقوه وقبلوا وجناته من الجهتين.

الجديد على المستوى العربي هو هذا الإنفتاح المجاني الواسع على العدو الإسرائيلي، بضغوط أميركية تزامنت مع المعركة الرئاسية، والتي قد أضرت بالعرب وقضيتهم المقدسة من دون أن تفيد الرئيس دونالد ترامب الذي هزمه ظل الرئيس الأميركي السابق باراك أوباما ففاز نائبه جو بايدن.

ويمكن هنا توجيه التهنئة مشفوعة بالتعزية إلى هؤلاء القادة العرب الذين انبطحوا أمام ترامب وأوفدوا إليه من يوقع صكوك الهزيمة والإعتراف بالعدو الإسرائيلي.

وآخر هؤلاء الساعين إلى رضا الرئيس المنصرف ترامب هو الحكم العسكري بملابس مدنية في السودان، والذي زاره وزير خارجية ترامب ليقنعه بالإعتراف بإسرائيل كوسيلة فعَالة في الغاء ديون هذا البلد المفقر برغم حيوية شعبه..

*****

لقد فاز جو بايدن، نائب الرئيس الأميركي السابق أوباما.

ومع الأسف فإن العرب لم يربحوا.. لأن العرب المنقسمين إلى حد خيانة أهداف الأمة في الوحدة والحرية والعدالة الإجتماعية، لا يعرفون كيف يربحون.

وأول شروط الربح: وحدة الصف، وحدة الموقف..

والباقي يذهب مع ترامب إلى حيث ألقت رحلها أم قشعم!..

*تنشر بالتزامن مع جريدتي “الشروق” المصرية و”القدس” الفلسطينية

Exit mobile version