طلال سلمان

في انتظار عودة الروح الى الفيحاء.. والأمة!

هزني الشوق يا الفيحاء، إلى عطر الليمون يستقبل القادمين اليك قبل رفاق العمر وصداقات الايام الصعبة ويودعهم متبعاً العناق بشيء من حلاوة الجبن وماء الزهر والاتفاق على موعد جديد للقاء المفتوح معكِ يا عاصمة النضال الوطني والقومي.

ولقد متّن علاقتنا، يا طرابلس الشام، إن المرحوم والدي، الرقيب الاول في الدرك قد خدم في بعض المخافر، بعد السراي، فسكنت عائلتنا غير بعيد عن هنا، قبل أن تنتقل إلى البداوي مع انتقال الوالد إلى مخفر الدعتور، حيث المصفاة ومنشآت شركة نفط العراق.. وبعدها كان عليه أن يعيد ترميم مخفر الدرك في المنية، قبل أن ينتقل إلى مخفر العبده.

دخل اخوتي بعض مدارسك، وسبحوا في بحرك، عند البداوي، حيث مكثنا لسنوات عدة، كنت خلالها أباشر بناء ذاتي كصحافي، في مجلة “الحوادث” التي انشأها ابن طرابلس سليم اللوزي بعد عودته من القاهرة في مصر، متخرجاً من مدرسة فاطمة اليوسف، الطرابلسية هي الأخرى، صاحبة المجلة الممتازة التي لعبت دولاراً لا يُنكر في فضح مخازي العهد الملكي، تحت قيادة الكاتب المميز احسان عبد القدوس، الذي يمكن اعتباره “نصف طرابلسي” إذا ما تذكرنا والدته ومجلتها المميزة روز اليوسف.

السيدة فضيلة واصف فتال، احدى رموز النهضة النسوية في طرابلس.

أيها الاصدقاء والصديقات ابناء الفيحاء التي كانت تمتد شمالاً إلى بشري ومعها اهدن، وشرقاً إلى حمص وحماه مروراً بعكار، ويعرفها الناس باسمها الكامل طرابلس الشام، ويستذكرون من ابنائها الذين يزينون صفحات تاريخنا وهم كثير ومن بينهم الرئيس صاحب السماحة عبد الحميد كرامي والرئيس الشهيد رشيد كرامي، والرئيس الذي غادرنا مبكراً عمر كرامي، فضلاً عن الرئيس الراحل امين الحافظ ومعه النائب الطيب والطبيب هاشم الحسيني وغيرهم كثير من رجالات البلاد وبناة استقلالها.

أقولها بصراحة، بل أكاد أصرخ وأصرخ بأعلى الصوت: اننا نفتقدك، يا طرابلس، بأهلك الطيبين في العديد من البلاد العربية، وليس في لبنان الذي أغرقوا شعبه بهمومه اليومية، والطلائع من قادة الجهاد العربي في ليبيا وتونس والجزائر فضلاً عن دمشق الشام ومعها حمص وحماه وصولاً إلى حلب، من اجل التحرر والاستقلال وبناء غدنا الافضل.

لقد حاول هذا النظام الفاسد المفسد تدجينك، وكاد يحولك إلى قرية بحرمانك حقوقك المشروعة، في النهوض إلى حيث تستحقين بكفاءات ابنائك، كعاصمة رديفة، في التنمية وتطوير مراكز الانتاج من مصانع، وحماية تراثك الانساني العريق في عمرانك الاسلامي والمملوكي وحتى الصليبي، وقد اختلف الزمان فذاب الجميع في نسيجك الانساني وباتوا بعض اهلك.

أيتها الاخوات، أيها الاخوة،

أحب أن افترض، وليتكم تتفاءلون مثلي فتفترضون اننا عشية انبعاث جديد لحركة الثورة العربية، وهذه المرة من البعيد ـ القريب: الجزائر والسودان.

إن هذه الامة ولادة، وها هم احفاد ثورة المليون شهيد يملأون شوارع العاصمة وسائر المدن في الشرق والشمال والجنوب، مطالبين باستعادة حقوقهم في بلادهم، بعدما صادرها العسكر لأكثر من نصف قرن وحكم بقوته لا بحقه، مستغنيا عن الشعب الذي بلغ به اليأس حد التجمهر والهتاف امام الرئيس الفرنسي السابق جاك شيراك، قبل سنوات: فيزا، فيزا..

كذلك ها هم ابناء السودان الطيبون في الشارع منذ شهر او يزيد، يرفضون حكم العسكر، وقد نجحوا في اسقاط الدكتاتور البشير، الذي ظل يحكم طوال خمس وعشرين سنة او يزيد، فيلعب على الحبال جميعاً ويتسبب في تشريد ابناء هذا الشعب الطيب واضطهاد المعترضين منهم على سوء الحال بالسجن والمعتقلات.

اتمنى الا اكون مخطئناً حين افترض اننا امام بداية جديدة لتاريخنا العربي.

لقد طال زمن الفرقة والشتات وصراع الذهب مع افكار التغيير، ومصادرة المستقبل بالنفط والغاز.

ليس مقبولاً أن تُصبح قطر دولة مقررة، بغازها، فتتقدم على قاهرة عبد الناصر وطه حسين وام كلثوم ومحمد عبد الوهاب وعبد الحليم حافظ ونجيب محفوظ وان تتقدم أبو ظبي بنفطها على العراق، ارض الرافدين والجواهري والسياب والبياتي ومظفر النواب، وسوريا معاً، وان تتحكم السعودية بمصير الامة بفضل غزارة انتاجها النفطي بالشراكة بل التبعية للولايات المتحدة ورئيسها الاحمق الذي ينادي بصفقة القرن… وهي صفقة يدفع ثمنها العرب من استقلال دولهم ووحدة شعوبهم.

ليس مقبولاً ان تُترك سوريا لمصيرها وهي تقاتل عصابات الارهاب والتدخل التركي والأميركي والاعتداءات الاسرائيلية المتكررة.. وان يُفرض على النازحين السوريين أن يبقوا، بالملايين، خارج بلادهم، وهم أكثر المواطنين العرب استعداداً لبذل الجهد في البناء والإعمار والانتاج الذي كان يغمر بلادنا بالبهاء والجمال والدواء واسباب الخير.

أيتها الاخوات، أيها الاخوة

لن نفقد الامل في انبعاث طرابلس من رقادها، وفي عودتها إلى دورها الوطني والقومي، والى ازدهارها عمرانا وانتاجا، فلا يبقى الأوتوستراد عارياً من البناء، ولا تبقى المصانع مقفلة او مضطرة إلى الانتقال إلى جهات أخرى، ولا يظل على الطرابلسيين إذا ما ارادوا الانتعاش أن ينتقلوا إلى اهدن او إلى البترون التي كانت قرية فصارت مدينة مزدهرة بجبرانها.

اننا ننتظر، بشوق عظيم وبفارغ الصبر، عودة الروح إلى طرابلس، وعودة طرابلس إلى دورها الوطني والقومي الذي لا بديل منه ولا غنى عنه.

انها طرابلس الشام، انها الفيحاء، انها عاصمة النضال الوطني والقومي.. انها “ام الفقير”.

شكراً للصالون الادبي الشمالي،

شكراً للسيدة فضيلة واصف فتال،

شكراً لكم جميعاً،

ولتبقَ طرابلس عاصمة وطنية تتميز بتراثها ودورها في النضال القومي،

لتبقَ طرابلس الفيحاء،

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

صالون فضيلة واصف فتال الادبي / طرابلس 4 ايار 2019

Exit mobile version