طلال سلمان

في الفلسفة الاقتصادية للشطارة: عندما تتحول الثروة بلا تعب إلى مدخل للخيانة!

صار للخيانة العربية تكريمها العالمي الاستثنائي، وفي ارفع مقام دولي: البيت الابيض، المقر الرسمي لرئيس الولايات المتحدة الاميركية في واشنطن دي . سي.

ولقد زار هذا المقام الرفيع كل من خرج من هويته / من عروبته/ من وطنيته ومن شرفه ليصالح العدو الاسرائيلي، مجانا، ويصافح رئيس حكومة احتلال فلسطين العربية.. مع التعهد بدفع تكاليف هذه المصالحة التي تهدر كرامة الأمة وتحاول المس بحقوق الشعب الفلسطيني في ارضه وبناء دولته عليها. . بل هي تؤذي وتمس بالضرر المستقبل العربي جميعاً.

وانها لقسمة ضيزى: يربح فيها الرئيس- المرشح للبقاء في البيت الابيض( او الخروج منه اذا هب الريح بعكس ما يشتهي).

لا مجال بالطبع، للسؤال عن التكاليف ومن يدفعها؟ الم ينجب العرب حاتم الطائي، وهو اذا لم يظهر كرمه البالغ الآن وهنا فأين ومتى وكيف سيتأكد العالم من أن حاتم الطائي لم يمت وما زال احفاده وابناء الاحفاد يتابعون نهجه ويسيرون على منواله… بل انهم، وقد اعطتهم الارض خيراً عظيماً تعد بمليارات الدولارات، بعد احتساب حصة الخبراء المكتشفين (بدولهم) ومعهم المستخرجين والمسوقين، والخير يفيض ولا ينتهي.. يؤخذ منه، وينفق منه شمالاً ويميناً، غربا وشرقا، فاذا هو يفيض عن الحاجة، وهي تلك المئات بل الآلاف من مليارات الدولارات التي تبقى لصاحب الارض، واضع يده عليها، ومعه القبيلة والعشيرة بالأجداد والآباء والانباء والاحفاد.. ومعهم بيوت اللذة والشراب وما تحفل به من الشقراوات والسمراوات و.. الغلمان، لخدمة المزاج.

بربكم أخبرونا من هو المجنون الذي يمكنه أن يرفض هذه النعم ويخرج ليحاضر في الشرف والعفة وحفظ ذوات الخدور.

ثم ما الجريمة؟ انه توقيع تافه على جلد من دماء مجمدة لشهداء لما يدفنوا ولتاريخ كان موضع فخر واعزاز.. وها هي بقاياه على شكل مماسح للأقدام قبل الدخول إلى حرم البيت الابيض.

*****

تريدون مناقشة هذا الامر؟

حسنا .. من اين تريدون أن نبدأ؟ من الحرب العالمية الأولى ووعد بلفور الذي اعطاه من لا يملك لمن لا يستحق، كما تقولون؟

وماذا بعد ذلك: تم تقسيم المشرق العربي على المنتصرين في حرب جرت على اراضيهم، صحيح، ولكنهم لم يكونوا طرفا فيها، ولم يبلغوا بمجرياتها، بل فرضت عليهم نتائجها فرضا.. وقاوموا بقدر ما يستطيعون واستشهدوا في الميادين جميعا، وهذه تماثيل الشهداء في ميسلون وفي دمشق وحلب وحماه، وحمص، كما في طرابلس وبعلبك والجنوب والبقاع الغربي في لبنان، وكما في البصرة وبغداد والكوفة والرمادي في العراق..

لكن الشهداء قاتلوا بإرادتهم وحدها قوى استعمارية، انتصرت على المحتل السابق فحلت محله، مستخدمة كل انواع الخدع، عن حريات الشعوب وعن التحرير..

وعلى امتداد السنوات استمرت شعوب هذه الارض تكافح من اجل الحرية والوحدة ومسح آثار الاحتلال القديم ومواجهة الاستعمار الجديد (البريطاني والفرنسي) الذي اعتبر الارض العربية بشعوبها إرثا تحدر اليه من الاجداد!!

*****

 بطبيعة الحال فان الذين تم استدعاؤهم على جناح السرعة إلى البيت الابيض في واشنطن لا يعرفون التاريخ ولم يتعرفوا إلى معنى “الوطن” ومن ثم إلى معنى “الشعب”: فبركت لهم الدول المستعمرة “دولا” وفق مصالحها، حيث اذا ما تأكدت من وجود النفط أو الغاز، ونصَبت منهم ملوكا وامراء..

لقد ابتدع الاجنبي دولاً من رمل ونفط، او من غاز عند البحر، ونصبوا شيوخ قبائلها الصغيرة امراء وملوكاً عليها ، ولكن اختام الحكم واموال “الدولة المستحدثة” ظلت في أيدي الخبراء في السياسة والعسكر والاقتصاد، في النفط والغاز وثروات البر والبحر!

..مع السماح لصاحب الجلالة او صاحب السمو أن يوقع حيث يشير له اصحاب الرأي والكلمة والقرار، في استيلاد البلاد (بكل الثروات الكامنة في باطنها)، كما في استخراج الثروة الهائلة وتصديرها، وتقاسم العائد على قاعدة: لي النصف لقاء الكشف والربع لقاء التنقيب والربع الأخير لنا معا، نصفه لك ونصفه لي.

*****

ها هي ثروات الارض العربية تذهب إلى غير اهلها.

بعض الثروة لتكديس السلاح، وبناء الجيوش الحديثة بالمرتزقة او بالاستعارة من بلدان الاشقاء الفقراء.

وبعض الثروة لبناء القصور واستعارة بعض المقتنيات الثمينة وذات القيمة التاريخية من متاحف الغير بالثمن (اللوفر في ابو ظبي مثلا..)

والبعض الآخر لإبهار العالم بألاعيب السحرة وتغطية العجز المتفاقم في حسابات الدولة وخزينتها.

***** 

المسؤولية لا يمكن اخفاؤها او طمسها او التخفيف من خطورة التلكؤ في تنفيذ القرارات..

لكن دهاليز الطائفية والمذهبية تبتلع المسؤوليات والمرتكبين الذين لكل منهم من يرعاه ويقاسمه السرقات ثم يتنصل من المسؤولية ويتركه ضعيفا، بلا حماية ولا رعاية.. وليذهب إلى الجحيم!

*****

تعرض مثل هذه المسائل في مجالس الانس وسهرات الطرب، فيأتيك الجواب ضاحكا:- حط في الخرج.. هذا لبنان!المهم الا يطرد حكام الرمل المذهب ابناءنا العالمين عندهم!

او: الشاطر ما يموت!

او: ما عنا دولة!

او: يعني تريد أن نعيد المشانق إلى ساحة الشهداء!

خليها على الله، يا عم..

هيدا لبنان يا حبيبي: يعيش دائماً على الحافة، لكنه لا يغرق! يمكن الله حاميه! يمكن مصالح الدول! المهم دبر حالك ولا تهتم لما يصيب غيرك. الشاطر بشطارتو. والله رزاق كريم.. يللا، خليها على الله يا مواطن!

ثم.. عليك أن تأمل بأن يحتاج المطبعون صمتك، فيدفعون. انتبه، ليكن حسابك: الكلمة بألف دولار، والقصيدة بمليون، فاذا اضفت اليها جهد المغني تهاطل الذهب عليك مطراً متوهجاً كما الجمر.

Exit mobile version