طلال سلمان

في الدفاع عن الفلول.. وعن أدونيس!

تخطئ السلطة الانتقالية كثيراً إذا اعتبرت أن إيقاف المظاهرات تحت شعار “استتباب الأمن” نجاحاً لها. النجاح الحقيقي هو بدعم حق التظاهر كائنا ما كانت شعارات المتظاهرين شريطة سلميتها.

لا توجد (لدي على الأقل) معلومات كافية تسمح بتقييم أداء قوات الأمن أثناء مظاهرات الأمس، الأنباء متضاربة، لكن يمكن القول إن قطاعات عريضة من الذين ناصروا المظاهرات أيام النظام السابق، أدانوا متظاهري اليوم في الساحل لأسباب تتعلق بالدفاع عن “الدولة” (مما دفع إحدى الناشطات المعروفات بمطالبة الحكومة بالضرب “بيدٍ من حديد”)، أو باتهام الطائفة الكريمة إياها وشعارات شيوخها وارتباطاتهم “المشبوهة” في استعادةِ شبه حرفية لمقولات النظام السابق عن الإرهابيين والعملاء و”معارضات الخارج” وضرورة الحفاظ على الدولة ومؤسساتها.

حسناً لنبدأ من هنا، ولنعتبر أن كل من شارك بمظاهرات الساحل هم من الفلول ومن أتباع النظام البائد ومن أصحاب نظريات الانفصال عن الوطن السعيد… ولنفترض أنه ليس لأي متظاهر الحق بالشعارات التي يطالب بها… لا اضطهاد ولا قتل ولا خطف نساء ولا تفجير مساجد ولا خطاب طائفي ولا أي استسهال لاستهداف طوائف بأكملها… لنفترض لحظة أن كل هذا غير موجود ولم يحصل… فهل ينفي ذلك حق مواطنين سوريين بالتظاهر؟ لم قامت الثورة إذن؟

في بداية الربيع العربي ووصوله إلى سوريا، عاب جمهورٌ واسع بمثقفيه وناشطيه ورموزه على الشاعر أدونيس قوله أنه لا يمكن له أن يدعم ثورة تخرج من الجوامع ويقودها مشايخ… من أين تخرج إذن؟ صاحت الجماهير باستنكار. الجماهير نفسها تعيب على متظاهري الساحل الاستجابة لنداء شيخٍ مُعَّممْ. أكان أدونيس محقاً حينها أم أنهم اليوم مخطئون؟ هل هناك ما يجمع العرعور مع غزال؟ كلاهما شيخ وكلاهما ينطق باسم طائفة “كريمة” لكنهما على حدي سكين في بلدٍ يتمزق.

لا يمكن لأحد (ومنهم كاتب هذه السطور) الدفاع عن أية مطالب انفصالية تحت أي مسوغ، لكن من العدل القول أنه يحق لأي كان التعبير عما يريد، ويحق للطائفة العلوية كما لغيرها النزول إلى الشارع والدعوة إلى التظاهر. هذا حق دفع آلاف السوريين حياتهم ثمناً لكي يصبح حقاً لا منَّةَ من حاكم.

على السوريين الذين آمنوا بالثورة السورية آلا يتنصلوا منها اليوم لأن من ينزل إلى الشارع ليس منهم. على العكس، مصداقية متظاهري الأمس تُلعبُ في شوارع اللاذقية وطرطوس وجبلة والقرداحة… وكلها مدن سورية يسكنها سوريون منذ آلاف السنين… لا منة لأحد على أحد في هذا، إذ أننا، شئنا أو لم نشأ، على هذا القارب السوري الذي لا يهتدي إلى بر، يتقاذفه تكالب الأعداء وأحقاد أهله المتراكمة بعضهم على بعض…

Exit mobile version