تجمعت فلسطين التي تريد الحركة الصهيونية محوها من الذاكرة الإنسانية، ومن الخريطة العربية في صورة “عهد التميمي”..
الفتاة التي اكتسب جمالها الفتي صلابة فلسطين، وتجمعت فيها عصارة نضال شعبها العظيم فزادت بهاء وصلابة وفصاحة وحنكة بحيث خرجت من سجن الاحتلال اقوى موقفاً وأبهى طلعة بابتسامتها المشعة وكلماتها البسيطة التي قهرت سجانيها في صورة المجاهدة التي لا يكسرها الظلم والعنت الاسرائيلي، بل يزيدها صلابة ويزيد طلتها بهاء، حتى لتغدو كالشمس التي تقهر ليل الاحتلال وتطلق أشعة الامل وانتصار الشعب المجاهد، برجاله ونسائه والصبايا وفتية الحجارة على الجلاد الاسرائيلي، ومن يدعمه بالمدد، او بخيانة اهله وأرضه المقدسة..
عهد التميمي ولدت مقاتلة..
وكلنا يذكرها وهي طفلة، عمرها دون العاشرة، تواجه بقبضتها الصغيرة جنود الاحتلال، وتخاطبهم بلهجة الأمر: أن اخرجوا من هنا.. انها ارضي، انها بلادي، وأنتم عابرون..
ونذكرها، من بعد، وهي صبية تواجه جنود الاحتلال المدججين بالسلاح وهي تصرخ بهم: انتم قتلة، انتم سفاحون، انتم محتلون، وهذه ارضي..
ونذكرها وهي تقاوم عسكر اسرائيل وهم يتقدمون لتوقيفها: لن تأخذوني الا قهراً.. فأنا اقوى منكم بأرضي التي ستبقى لي..
ولقد اعتقلت عهد التميمي في كانون الاول 2017، وسجنت لمدة ثماني اشهر طويلة، فلما خرجت من سجنها كانت أقوى وأجمل واعظم بهاء وأكثر صلابة وتماسكا.. باختصار: كانت قد غدت “القائد”.
طافت عهد التميمي في فلسطين، قرأت الفاتحة للقائد الفلسطيني الراحل ياسر عرفات، وجلست في دواوين من خلفه في “السلطة” التي لا سلطة لها، فتبدت أكثر حضوراً من مجموع الحاضرين، وابتسامتها تشع املاً وثقة بشعبها الذي لن يهدأ ولن يستكين حتى يأتي ذلك اليوم البهي الذي تعود فيه فلسطين إلى أهلها..
ولأول مرة، يحس الناس أن الابتسامة المشعة التي واجهت بها عهد التميمي وجه الجلاد المحتل أقوى من السلاح، وافعل من الكلام، يخاف منها العدو الذي يفترض انه قد قهر ارادة هذا الشعب المحاصر، والذي لا يملك من اسباب المقاومة الا صموده في ارضه، مهما كانت وحشية المحتل، ومهما تعاظمت التضحيات.
وأكثر من أي مرة سابقة، أدرك المواطنون العرب، في مختلف اقطارهم أن شعب فلسطين، ما زال في الميدان وحده، يقاتل طغيان الاحتلال ووحشيته بلحمه الحي وبإرادته التي لا تلين ولا تعرف الاستسلام.
إن عهد التميمي هي التجسيد الحي لشهادة الشهداء، وإرادة الاهل الصامدين بين هجوم اسرائيلي غادر على القرى والبلدات التي يخرج منها المجاهدون لمواجهة العدو، وقصف وحشي للمتظاهرين في مختلف المدن والقرى، وتفريق بالقوة التي تتجاوز كل الحدود للمتظاهرين ـ سلميا ـ وهم يؤكدون أن مدنهم لهم، وان قراهم لهم، وان القدس قدسهم، وان بيت لحم بيتهم المقدس، وانهم لن يتركوا ارضهم للغاصب والمحتل… فقد تعلموا من أسلافهم أن الذي يغادر يخسر وطنه، فلسطين لكي يستطيع أن يعيش… بينما حياته لا تكون الا في وطنه.
إن عهد التميمي، بابتسامة التحدي التي ترتسم فوق شعرها المنسدل على كتفيها، والذي غالباً ما يغطي وجهها فترفعه بيدها الصغيرة التي تختزن تلك الصفعات التي وجهتها إلى الجندي الاسرائيلي الذي استصغر عمرها وشأنها فرفع سلاحه في وجهها ولكنها لم تتراجع بل تقدمت منه متحدية وهي تصرخ به: بل انت من يخرج من هنا، فهذه ارضي، هي لأبي، ومن قبله كانت لجدي، وجدي اخذها عن ابيه الذي اخذها عن جده… وأنتم طارئون! انتم عابرون في جمل عابرة، كما قال محمود درويش الذي عرف العدو الاسرائيلي مثلي، والذي احفظ شعره باعتباره سلاحاً للمقاومة حتى التحرير..
إن عهد التميمي هي رمز لجيل فلسطيني جديد، بل انها ايقونة لجيل عربي جديد اجتهد حكامه في جعله ينسى فلسطين، ويسلم بالوجود الاسرائيلي المعزز بالدعم الاميركي المفتوح “للدولة القومية” التي تعتبر أن كل يهودي في العالم هو “مواطن فيها”.
لقد دخلت فلسطين، التي كانت صورتها قد طمست، إلى صدر كل بيت عبر صورة عهد التميمي وهي تطلق ابتسامتها المشعة بالأمل في وجوه جنود الاحتلال فيشهرون بنادقهم في وجهها، فتتسع بابتسامتها، وترفض الاجابة عن اسئلتهم وهم يسحبونها إلى السجن.
لقد تبدت عهد التميمي أعظم من الجلاد الاسرائيلي واصلب واشد عزيمة. قهرته بابتسامتها المشعة املاً..
لقد تعاظمت عهد بتضحيات شعبها، واسقطت كل صرخات اهل الهزيمة وتوسلهم الصلح مع العدو الاسرائيلي بشروطه.
بل أن عهد التميمي قد أعادت الاعتبار إلى المقاومة الفلسطينية، بأبطالها، الشهداء منهم والذين ينتظرون وما بدلوا تبديلا..
لقد أعادت عهد التميمي المعنى إلى كلمات قد شحبت دلالاتها وهانت على اهلها مثل: فلسطين، النضال، الصمود، المواجهة ولو باللحم الحي حتى التحرير..
وفلسطين ولادَّة، وهي تعطي كل صباح المئات من الفتية، بنات وصبياناً، من المرشحين للشهادة توكيداً لحقيقة أن فلسطين هي وطنهم الذي لا بديل منه، مهما طال ليل الاحتلال وتعاظم بطشه وأفلت وحشيته من عقالها ليزور حقائق التاريخ والجغرافيا..
عهداً يا عهد، ستبقى فلسطين مقصد نضالنا، وحداء مقاومتنا والبوصلة التي تهدينا سواء السبيل إلى التحرير.. والتحرير هو الوحدة وهو الغد الافضل للعرب في مختلف ديارهم، وليس لأهلك وحدهم في قريتك النبي صالح، او فلي فلسطين جميعاً.
“وطني لو شُغِلتُ بالخُلدِ عنّه نازعتني إليه في الخُلدِ نَفسي”
الى اللقاء يا عهد..
تنشر بالتزامن مع السفير العربي