طلال سلمان

فلسطين اولاً.. فلسطين دائماً: لإسقاط “صفقة القرن” ومعها كوشنر.. وترامب!

كانت “نكبة فلسطين”، كما اسماها المسؤولون العرب عند وقوعها وإقامة دولة الاحتلال الاسرائيلي على ارضها، في 15 ايار 1948، فاتحة الانقلابات العسكرية لإسقاط “أنظمة الهزيمة”، كمدخل إلى الوحدة والمنعة والتحرير.

فأما اول انقلاب عسكري فقد نفذه، في دمشق، ضابط في الجيش السوري سرعان ما رفع رتبته إلى “ماريشال” هو حسني الزعيم.

على أن الايام قد اثبتت أن هذا الانقلاب انما هو من تدبير الولايات المتحدة الاميركية وبهدف تمرير خطوط النفط المتدفق من آباره في السعودية إلى منطقة الزهراني على الشاطئ اللبناني، على مسافة قصيرة من صيدا… في حين كان النفط العراقي الذي تحتكره بريطانيا يصب في “الدعتور” على مسافة قصيرة من طرابلس.

وبين “انجازات” هذا الماريشال انه سلم “الزعيم” انطون سعاده القائد المؤسس للحزب السوري القومي الاجتماعي، إلى رياض الصلح رئيس الحكومة في لبنان في عهد رئيس الجمهورية الشيخ بشاره الخوري…

ولقد عقدت المحكمة العسكرية جلسة استثنائية في الليل وحكمت بإعدام انطون سعاده، الذي تصرف بشجاعة خارقة مكرراً ايمانه “بوحدة الامة السورية..”

..ولسوف ينتهي رياض الصلح بعملية منظمة بدقة لاغتياله خلال وجوده في عمان، في ضيافة الامير عبدالله ابن الشريف حسين، “مطلق الرصاصة الاولى (والاخيرة) ايذاناً بالثورة العربية الكبرى” التي انتهت بتنصيب عبدالله على عرش الامارة التي اقتطعت ارضها من سوريا، في حين نصب النجل الثاني فيصل ملكاً على عرش سوريا، فلما طرده الفرنسيون منها تولاه البريطانيون وأخذه لينصبوه ملكاً على عرش العراق..

بعد دمشق، وفي سياق ردود الفعل على الهزيمة امام المشروع الاسرائيلي، سوف تتوالى الانقلابات في صفوف الجيوش العربية بقصد اسقاط الانظمة الفاسدة، وهكذا تفجرت مصر بثورة 23 يوليه (تموز 1952)، التي تجرأ قائدها جمال عبد الناصر على اجلاء جيش الاحتلال البريطاني عنها، ثم على مواجهة العدوان الثلاثي (بريطانيا وفرنسا ومعهما العدو الاسرائيلي) في خريف العام 1956.. وهو النصر الذي قاد إلى اقامة اول دولة للوحدة العربية في التاريخ الحديث عبر اندماج مصر وسوريا في “الجمهورية العربية المتحدة”.. التي لم تصمد لأكثر من ثلاث سنوات فانهارت بانفصال سوريا في انقلاب عسكري مشهود..

بعد شهور من هذه النكسة الثانية، عاش العرب فرحة انتصار ثورة المليون شهيد في الجزائر وقيام جمهورية الجزائر الديمقراطية بعد استعمار استيطاني فرنسي دام لأكثر من مائة وخمسين سنة.. وتم انتخاب المناضل احمد بن بله الذي اختطف مع اربعة من رفاقه القياديين في تلك الثورة المجيدة، بينما هم عائدون من المغرب إلى تونس، حيث كان يحتشد جيش التحرير.

ثم تفجرت اليمن، مع وفاة الامام يحيى حميد الدين، وتولي ابنه احمد العرش في صنعاء.. وكان على مصر عبد الناصر أن تحمي هذه الثورة، ليس عبر شحنات السلاح والدعم السياسي فحسب، بل عبر ارسال قوة اسناد الى اليمن ذاتها..

بعد ذلك سيقع انقلاب عسكري ـ حزبي في سوريا يعيد حزب البعث إلى السلطة..

ولسوف يقع انقلاب عسكري ـ حزبي في العراق تحت قيادة حزب البعث وقوى حليفة له..

ولسوف يذهب وفد بعثي سوري ـ عراقي إلى القاهرة، بقيادة الزعيم المؤسس لحزب البعث في سوريا والعراق ولبنان وسائر الاقطار العربية، ميشال عفلق ليعرض تجديد الوحدة مع مصر.. لكن جمال عبد الناصر الذي كان قد اكتوى بالتجربة الأولى رفض العرض الجديد، متعهداً بالتعاون والتضامن، عن بعد.


كان العنوان الدائم لمشاريع الوحدة هو: تحرير فلسطين..

لكن هزيمة 5 حزيران 1967 التي مُني بها جمال عبد الناصر ومعه الجيش المصري، وتقدم قوات العدو الاسرائيلي عبر سيناء إلى “البر المصري” وتهديد القاهرة، وتقدم هذه القوات على الجبهة السورية باحتلال هضبة الجولان، طوت صفحة تحرير فلسطين.. وتقدم هم تحرير الاراضي المصرية والسورية التي احتلها العدو الاسرائيلي.

…ولسوف يغيب جمال عبد الناصر في 28 ايلول 1970، فيخلفه انور السادات رئيساً لمصر..

ولسوف يتعاهد السادات مع الرئيس السوري حافظ الاسد على خوض المعركة معاً.. وينطلق الجيشان المصري (فيعبر قناة السويس) والسوري (الذي يستعيد الجولان).

لكن السادات اوقف الحرب بعدما تمكنت القوات الاسرائيلية بقيادة شارون من احداث ثغرة باحتلال جزيرة صغيرة في قناة السويس وارباك الجيش المصري الذي تلقى اوامر مفاجئة بوقف تقدم قواته داخل سيناء، مما كشف الجبهة السورية، وأمكن للقوات الاسرائيلية أن تستعيد الجولان… قبل أن يتدخل وزير الخارجية الاميركية هنري كيسنجر لترتيب وقف لإطلاق النار، اعقبته زيارة حملت الرئيس الاميركي ريتشارد نيكسون إلى كل من القاهرة ودمشق، للاطمئنان إلى الالتزام بوقف اسرائيل، وطمأنة اسرائيل على مستقبلها “كقوة عظمى” في الارض العربية.


ها هي الولايات المتحدة الاميركية تتقدم الآن من العرب واسرائيل معاً، بمشروعها للشرق الاوسط الجديد الذي كلف رئيسها دونالد ترامب صهره جاريد كوشنر بالترويج له وتسويقه عبر مؤتمر تمهيدي عقده في البحرين بحضور عدد محدود من وزراء الخارجية العرب ووكلائهم..

ولقد أطلق ترامب على خطته العبقرية الجديدة اسم: صفقة القرن للسلام في منطقة الشرق الاوسط .. مفترضا أن شعوب هذه المنطقة باتت جاهز للاستسلام.

لكن اطفال غزة وشبابها وشاباتها، وأهالي الضفة الغربية، أي الفلسطينيين عموماً، رأياً آخر يعبرون عنه بالحجار وبعملياتهم الجريئة ضد قوات الاحتلال، وبرفضهم تسلم فلسطين والقبول بالهزيمة.

وبالتأكيد فان تفجر الجزائر بالثورة الجديدة، وكذلك تفجر السودان بثورته الشعبية الجديدة التي لم تغادر جماهيرها الشارع منذ ستة شهور وأكثر..

وكذلك حالات التململ في العراق ومقارعة مشروع تطئيف النظام، وانتعاش حركة المقاومة للاحتلال السعودي ـ الاماراتي في اليمن، وتقدم قوات النظام في سوريا لاستعادة المناطق التي تسيطر عليها تركيا بغطاء اميركي معلن..

كل ذلك يمكن أن يؤشر إلى قرب عودة العرب إلى التاريخ، بعدما اخرجتهم منه انظمتهم التي قاتلت شعوبها بدل أن تقاتل عدوها الاميركي بعوانه الاسرائيلي..

والحرب سجال، والمستقبل للمؤهل على أخذه.

تنشر بالتزامن مع السفير العربي

Exit mobile version