طلال سلمان

فقط.. لا

البحث عن الضائعين مزمن. لم نجد احداً بعد. إنهم موجودون في لبنان ولكنهم بحاجة إلى اكتشاف. الطائفيون موجودون ويحتلون ما لهم وما لغيرهم. الموارنة موجودون وصوتهم مرتفع جداً. السّنة موجودون بصوت معقول قليلاً. الشيعة موجودون في كل الساحات وفي ما وراء الحدود. الدروز مكتفون بما لديهم وممتلئون حضوراً. الطوائف الصغيرة وجدت قاطرات طائفية تتحالف معها… الكل موجودون بفعالية ذات منسوب تخريبي كبير، لا يحتاج إلى برهان,. لبنان هذا من صنعهم. الخراب السياسي من ابداعهم. الفساد ش.م.ل. لا يوفر احداً من مكتسباته.

السلطة دائرة وموزعة على المحاور الإقليمية بالعدل والاقتناص. لا يمكن نصوُّر لبنان من دونهم. إذا اختفوا عن الساحة اختفى البلد. هم حديث الماضي والأمس، هم حديث الساعة بعد كل ساعة، وهم حديث المستقبل. من دونهم. لبنان خواء. إنهم على كل شفة وشاشة يكرهون بعضهم ولكنهم معاً. يطعنون في الظهر ويتصافحون معاً. يبتكرون المشكلات ويفوّضون الحلول للنسيان. هم نموذج غير موجود الا في لبنان، وفي القرن الواحد والعشرين. لا تسقط شعرة من رؤوس اللبنانيين الا بعد إذنهم. سيّان إن اختلفوا أو إن اتفقوا. لبنانهم هذا وهم احرار في التصرف به. مثل هذا، لا يحتاج إلى قيم او اخلاق أو قواعد او دستور أو قوانين او انسانية. الاقتناص مذهبه المدعوم. السرقة حلال. النفاق اخلاق. الانجاز معجزة.

ومع ذلك، وبرغم الكراهية المتبادلة. فهم يؤلفون حكومة واحدة غير موحدة، ومجلساً نيابياً بدائياً، وادارات مدرَّبة على “من أين تؤكل الكتف”. هذا هو لبنان. مبروك عليهم…

فأين الضائعون؟.

لا. ليس صحيحاً أن كل اللبنانيين طائفيون ومرتهنون ووضيعون. بين اللبنانيين نخب فكرية وثقافية تنتمي إلى القيم والأخلاق وتتألم من فقدان الكرامة والمواطنة. يغيظها هذا المشهد اللبناني المقزز، المقرف، البذيء، الملعون. تكيل للنظام وأهله واتباعه نعوتاً صفيقة. بين اللبنانيين طلاب جامعات وطالبات كرامة. يكتوون من الدجل الطائفي، من البرامج الملغوفة، من الأساتذة المتفوقين طائفياً ومذهبياً، من جعل الكليات منصات للنصب السياسي والأمية الوطنية. لبنان يزخر بأناس يمتشقون كل صباح جباههم العالية ويعملون بكد وحرية وكرامة ويأكلون خبزهم المر بعرق جبينهم. هؤلاء ملح الارض وخميرة البلاد… لبنان هذا ينقصه هؤلاء. أين هم؟ انهم ضائعون. يعيشون الخيبة تلو الخيبة. لا امل لهم بلبنان المحتل، وتحريره مستحيل. يائسون وقاعدون عن العمل. يعرفون كل ما يرتكب في بلدهم. يعرفون الفساد والفاسدين، النصب والنصابين، الارتكاب والمرتكبين، ولا يأتون بحركة.

مساكين هؤلاء الضائعون، ليس عندهم منصة يلجأون اليها. لا حزب، لا نقابة، لا جمعية، لا اذاعة، لا شاشة. انهم عراة هذا الوطن. يعيشون فيه كاليتامى.

هل من وسيلة أخرى ليلتقي الضائعون؟ المحاولات التي جرت ضئيلة. إحدى مآسيهم. انهم افراد، لا جماعات. لديهم نبض لم يستسلم ولكن ليس امامهم طريق يسيرون فيه.

أفضل ما لدينا، أن نقول لا. وأفضل من ذلك أن تكون اللاءات مجتمعة على القطيعة مع هذا النظام وممثليه.

لا… لكل ما يجري في هذا البلد التاعس.

Exit mobile version