طلال سلمان

فقراء ريا الحسن

هُوَ لا يصدق كيف لم يمت بعد. يكذب على نفسه ويقنعها بأنه ما زال حيَّا، ولو يرزق الفتات. يبتكر عملاً مُذلاً لم يعتد عليه كي يعيل عائلته ويطعم ابناءه لقمة بكرامة. اخترع كل ما قبل التسوَّل، والتسول انتحار ونحر للكرامة. بلى. الفقر عيب، عندما يصل إلى تخوم العوز وقهر الفاقة ومذلة الطلب. اليس لهذا يتجرأ المدقعون على عرض اعضائهم للبيع، علناً وسراً؟ اليس بسبب هذه المهانة يقدم الفقير على إحراق جسده؟ اليس في لبنان طبقة مسحوقة لا معين لها؟ حتى السماء فقأت عيونها كي لا ترى الا ما تشتهيه العين، وما تشتهيه موفور عند طبقة اتقنت فن السرقة وفنون الصلاة والتوكل على “الله”.

نحن في لبنان، وحقيقة لبنان انه كذبة حضارية ودولة حديثة، فيما هو في انحطاط سياسي واخلاقي وانساني. يا ناس، في لبنان من يجوع كل يوم. يعيشون في الستر. والمساعدات العلنية تجارة بأخلاق الكرم. يا ناس، في لبنان فاقة وجوع وندرة وعطالة عن العمل. ومع ذلك لم نسمع ببرنامج واحد، لمعالجة مشكلة الفقراء. إن اهتمام الدولة والسلطة هو بالديون المليارية التي نهبت من افواه هؤلاء الفقراء الجائعين. أن كل جائع، كل فقير في لبنان، هو نتيجة اثراء غير مشروع لحرامية البلد المعصوم من المحاسبة ومن المراقبة. صح ما قاله الامام علي بن طالب، “ما جاع فقير الا بما متع به غني”، او بما نهبه سارق ينتمي إلى طبقة القديسين الاثرياء، اكانوا من رجال الدين ام من رجال الدنيا … إِخسْ.

كل ما جاء اعلاه اقل ما يقال. بؤساؤنا ما زالوا على قيد الحياة، لان هناك من يستر عورة عوزهم وجوعهم. والبعض منهم، وجد وسيلة شريفة يعتاش منها. انما، ويا للأسف البليد، أقدمت وزيرة الداخلية الجديدة ريا الحسن، على “تنظيف” الطرقات والزوايا والارصفة، من اصحاب البسطات او “الكيوسكات” الذين يعيشون على شفّة قهوة او رشفة ماء او قطعة حلوى، لأنهم يعتدون على “أملاك” الدولة (بمساحة بسطة بطول مترين وعرض متر ونصف) ويشوهون المنظر ويعرقلون السير، و.. يا عيب الشوم.

ألم تجد الحكومة اطلالة أفضل، كأن تحاكم وتشهر بفاسد واحد لا غير؟ الم تجد من اعتدى على مساحات شاسعة من الشاطئ اللبناني، “لتنذره” او ترجوه اخلاء مرتعه الذي يدر عليه مالاً منهوبا؟ ألم تجد غير هؤلاء الفقراء، لتأمرهم بإخلاء اماكن رزقهم الشحيح، وتعطيهم، فرصة خمسة ايام لإخلاء ما “احتلوه” من ارصفة ومن أطراف الطرقات.

عيب. انما، حذار من ثورة الجياع. حذار من اذلال المذلولين أكثر. الطوائف الوفيرة الأموال، لن تُسمع كلمتها في ذلك الزمن القادم. زمن الجياع المبارك والملعون، خاصة. ان الفقراء قد أسفروا عن قوة يأسهم، وباتوا يستعدون للموت. والنهابون معروفون وليسوا بحاجة إلى دليل لاكتشافهم.

فيما أنا اكتب هذه الكلمات، بصراحة وهدوء، تشتعل فيَّ نقمة وجرأة، حتى إني اكاد لا اعرف نفسي: هل انا بعد عاقل، ام أن حريقاً يندلع من انحائي وجسدي؟

يا الله، نجني من نفسي.

Exit mobile version