طلال سلمان

فرح عام باقفال ادارات عامة

شهدت الجلسة »التاريخية« لمجلس الوزراء، مساء أمس الأول، الخميس في 22 شباط 2001، تظاهرة فرح حين ظهر »التوافق« على خروج الدولة، أو الإدارة الحكومية، من مرفقين حيويين جداً هما: التلفزيون الرسمي ومؤسسة كهرباء لبنان!
حسم رئيس الجمهورية الأمر فصفق رئيس مجلس الوزراء وتبعه الوزراء ثم تبادل الجميع التهاني، قبل أن ينفض السامر وكل لا يستطيع أن يخفي دهشته من هذا التوفر المفاجئ للقدرة على اتخاذ القرار، ثم بعد ذلك لحسن استقبال الناس له.
وليس من باب النكتة أن يُقال إن الناس الذين استقبلوا هذا القرار بكثير من الارتياح، على استعداد لأن يصفقوا لكل قرار جديد بخروج الدولة أو الإدارة الحكومية من مرفق جديد!
لكأنما الحكم يزداد شعبية كلما تخلى عن بعض أجهزته أو إداراته أو المرافق العامة التي تستنزف »المال العام« من دون أن توفر الخدمة العامة التي أُنشئت من أجلها.
الطريف أن محطة التلفزيون الحكومي قد نشأت أصلاً كشركة خاصة ثم حصيلة اندماج شركتين خاصتين كان الأجانب يملكون حصة في إحداهما، قبل أن تشتري الدولة »النصف من الشركة الجديدة في العام 1978« وهي التي تم تأميمها بالكامل سنة 1994 حين دفعت الدولة ثمن حصة المساهمين لتحتكر »الشاشة« والعقد الجماعي!
والطريف أيضا أن مرفق الكهرباء كانت تملكه وتديره مجموعة من الشركات الخاصة بامتيازات »ذهبية«، ثم تقدمت الدولة لتأميمها متكبدة مبالغ مبالغاً فيها بطبيعة الحال، لتعوّض أصحاب الامتيازات ما يحفظ لهم امتيازهم على سائر اللبنانيين حتى لا يذل فيها »عزيز قوم« من أصحاب الحظوة.
فأما شركة التلفزيون فقد كانت بطبيعة الحال مؤسسة رابحة قبل أن ينهبها أصحاب النفوذ وأصحاب السلاح وأصحاب الأموال، فيبنوا محطاتهم الخاصة بكادرات موظفيها وبأفلام أرشيفها و… بإعلاناتها التي كانت احتكاراً لها فصارت مشاعاً يتسابق إلى أخذه »القادرون« بوضع اليد أو بادعاء »حق الشفعة« بعدما انهارت مشاريع التقسيم أو »الفرز والضم« عبر الكانتونات الطائفية.
وأما مؤسسة كهرباء لبنان فكانت بداياتها مشرفة ومشرقة، وخصوصا أنها أطلت مع الخطة الأولى التي وضعت (في عهد فؤاد شهاب) لتعميم النور على »المجاهل« اللبنانية القائمة على »الأطراف« بعيدا عن »المركز« وريث المتصرفية.
الأهم أنها بدأت مؤسسة رابحة بكل المعايير وهي قد أدت خدمات طيبة في مجال ترقيم الشوارع والمنازل (التي لم يؤخذ بها ولم تعتمد بالكامل كما في بلاد الناس، فظلت »العلامات الفارقة« كالأفران ومحطات البنزين وألوان الشبابيك هي وسائل الإرشاد إلى العناوين المقصودة… حتى لموزعي البريد)!
ولسنا في وارد »قيد« الخسائر الإجمالية التي تكبدها »المال العام« أي حضرة جنابك أيها المواطن السعيد نتيجة هذه التحولات في ملكية هذين المرفقين، ثم نتيجة تشغيلهما وإدارتهما،
المهم أنك أيها المواطن السعيد قد تنفست الصعداء مع إقفال أحد هذين المرفقين وطرح الثاني للبيع وصفقت طرباً لخلاصك من بعض الأعباء الثقيلة التي كانت ترهق عينك قبل جيبك، وتفسد عليك مصادر رزقك قبل مزاجك وثقافتك وحس التذوق عندك..
ومن قبل كنت قد صفقت طرباً لقيام شركتين خاصتين للهاتف الخلوي، ولم تدقق كثيراً في كلفة هذا الجهاز الساحر والولود الذي صار كبطاقة الهوية لا بد أن يحمله وأن يستخدمه وبغزارة كل أفراد الأسرة، وأحيانا من غرفة إلى غرفة،
وبرغم ان الإدارة الحكومية قد أعادت تشغيل الهاتف العادي (أي الثابت) وساهمت في تعميمه على كل الراغبين في كل المناطق بما فيها »الأطراف«، فإن أجهزة الخلوي في تزايد يسابق النسل ولا ينقص بتناقص اللبنانيين بالهجرة إلى حيث يمكن أن يوفروا دخلاً »يؤمن لوازم تربية العيال«.
معروف أن »الدولة تاجر فاشل« ولكن الحل ليس أن تكون ناجحة في خدمة التاجر، فاشلة في إدارة »مالها العام«.
ما علينا، ذلك موضوع آخر،
ما يهم الآن ان الناس مصدر المال العام ينتظرون إقفال المزيد من المؤسسات والإدارات والشركات الحكومية لكي يجهروا بمزيد من التأييد للحكم والحكومة، ولسوف تبلغ القلوب الحناجر إذا أنقص عدد الوزراء وعدد النواب وأعداد الموظفين، عسكريين ومدنيين، في الكادر أو خارجه بالتعاقد أو بالتعامل أو بالفاتورة،
ملحوظة من خارج النص: تقدر الدوائر الرسمية والمصادر الوزارية والأجهزة المختصة والأوساط الدبلوماسية أن يزيد عدد المتقدمين إلى امتحانات تعيين دركي أو مفتش في الأمن العام (أو أمن الدولة أو الجمارك) عن ثلاثين ألفاً، بينهم بضعة آلاف من حملة الإجازات الجامعية!
وهذا منطقي وطبيعي طالما أن »المال العام« هو المال الوحيد المتاح أمام الشاكين من الإدارة الحكومية والذين لا يرون غيرها مصدرا للرزق!

Exit mobile version