طلال سلمان

عُمان في التاريخ.. والحضارة

لكي نعرف عُمان، بحغرافيتها الواسعة وتاريخها الحافل، اخترت هنا مقاطع من كتاب “عُمان في التاريخ” رأيت فيها إضافة ممتازة.

العمود الفقري..

يشبه العُمانيون سلسلة جبال الحجر بالعمود الفقري للإنسان، فيسمون المنطقة التي تقع على بحر عُمان بالباطنة، والمنطقة التي تقع إلى الغرب من المرتفعات بالظاهرة، فالباطنة هي الشاطئ الساحلي الذي شكلته الوديان الهابطة من الجبال ويتراوح اتساعه ما بين 15و80 كيلومتراً، كما يتجاوز طوله300 كيلو متر، وهي المنطقة الزراعية الرئيسة في السلطنة، حيث البساتين التي ترويها المياه الجوفية، والباطنة تمتد شمالاً من مسقط حتى حدود دولة الامارات العربية المتحدة.

وهناك عدة وديان تقطع هذه السلسلة من الجبال أكبرها وادي سمائل الذي يصل بين مدينة مسقط على الساحل وبين ولايتي إزكي ونزوى في الداخل، لهذا يُطلق على المنطقة التي تقع فيها سلسلة الجبال إلى الغرب من ذلك الوادي منطقة الحجر الغربي، وفيها يقع الجبل الاخضر وولايات الرستاق ونخل والعوابي وغيرها.

والمنطقة التي تقع فيها سلسلة الجبال إلى الشرق من وادي سمائل تسمى منطقة الحجر الشرقي وفيها تقع ولايتا سمائل وبدبد وغيرهما، وأعلى قمة في جبال الحجر هي (جبل شمس) في محافظة الداخلية إذ يبلغ ارتفاعه نحو 3 آلاف متر فوق سطح البحر، ويضيق الساحل العُماني عند مرتفعات القرم بمسقط ليصبح الشاطئ صخرياً مليئاً بالجيوب المائية، كما هو الحال في رأس جنوب مسقط حتى رأس الحد، ومن رأس الحد إلى منطقة فيلم على الشاطئ في خليج مصيرة. وتقع غربي جزيرة مصيرة شبه جزيرة بر الحكمان، ويفصلها عن جزيرة مصيرة مجرى مائي يبلغ اتساعه 14 كيلو متراً، وتتكون بر الحكمان من ملاحات بسيطة، وفي بعض المواسم يغطي البحر خمسة كيلومترات من اراضيها، ويعتمد سكانها في حياتهم على صيد الاسماك.

وعلى ساحل بحر العرب يمتد الشاطىء العُماني- محافظة الوسطى ومحافظة ظفار- مسافة 560 كيلومتراً، حيث تسقط الامطار الموسمية على حوالي مائة وثلاثين كيلومتراً منه، وتضم سهلاً ساحلياً بعرض يتراوح ما بين ثمانية إلى عشرة كيلومترات، تقع في ولاية صلالة، وغيرها من الولايات مثل طاقة ومرباط وسدح ورخيوت وضلكوت، وتزخر الشواطىء الساحلية بمحافظة ظفار بثروة سمكية وافرة منها الرويبان والهامور وكذلك سمك السردين الذي يستخدم الفائض منه علفاً للحيوانات وسماد للمزروعات.

أما منطقة جبال ظفار فتمتد من الشرق إلى الغرب بطول حوالي (400) كيلو متر من قبالة جزر الحلانيات إلى الحدود مع الجمهورية اليمنية، وبها مناطق جبلية تشكل سلسلة واحدة متصلة أبرزها جبل سمحان في الشرق وجبال القمر في الغرب.

في التاريخ..

شكلت عُمان على امتداد التاريخ مركزاً حضارياً نشطاً تفاعل منذ القدم مع كل مراكز الحضارة في العالم القديم. وأسهمت عُمان في مراحل تاريخية عديدة بنصيب حضاري وافر، كما كانت في فترات اخرة قوة بحرية وسياسية مؤثرة، امتدت علاقاتها وصلاتها في مراحل تاريخية مبكرة إلى الصين، والولايات المتحدة الاميركية وبريطانيا، وفرنسا وغيرها، واستقبل سفراؤها باحترام في عواصم تلك الدول وغيرها قبل قرون من الزمن.

وقد مثل التاريخ العُماني سلسلة متصلة الحلقات اسوة بتاريخ الامم والشعوب ذات الحضارة والدور التاريخي الذي يمر بمراحل مختلفة، وبينما تمكنت عُمان خلال حكم اليعاربة الذي بدأ عام 1624م من طرد البرتغاليين من السواحل العُمانية، والخليج والمحيط الهندي، فإن الدولة (البوسعيدية) التي قامت على يد مؤسسها الامام احمد بن سعيد عام 1744م، والتي يمثل السلطان قابوس بن سعيد امتداداً لها، استطاعت على مدى اكثر من مائتين وسبعة وستين عاماً أن تضع عُمان في مصاف الدول القوية والمؤثرة في محيطها، وذلك باستثناء بعض المراحل من الصراعات الاقليمية والخلافات الداخلية، والتي كانت تؤدي إلى نوع من الانكفاء الذاتي والعزلة لأسباب عديدة محلية واقليمية ودولية، وضعت مسيرة النهضة منذ انطلاقتها في 23 يوليو 1970 حدا لها.

هذا الخليج الذي تتحكم عُمان في مدخله من الجهة الجنوبية لا يعد شعبة من بحر الهند او المحيط الهندي، وانما هو بحر مستقل عنهما، ويشتمل على ثلاثة بحار هي بحر فارس وبحر البحرين وبحر عُمان، وكلها بحر واحد، تطل بلاد فارس على ساحله الشرقي، وبلاد العرب على ساحله الغربي، وتتصل مياه هذا الخليج بالمحيط الهندي المؤدي إلى الشرق الاقصى من جهة والى بحر العرب فالخليج البربري (نسبة إلى بربرة الصومالية) الذي ينتهي ببلاد سفاله في (موزمبيق) ويتفرع منه بحر القلزم (السويس) من جهة ثانية.

وقد ذكر الجغرافيون العرب عُمان في مؤلفاتهم، وركزوا على اهميتها الملاحية والتجارية وعلاقاتها بالصين والهند والسواحل الشرقية الافريقية، وبعض جزر المحيط الهندي، بالإضافة إلى اشجارها وزراعتها، وأعطونا وصفاً لمدنها وقراها ودونوا مشاهداتهم هم أنفسهم او تلك التي سمعوها او نقلوها عن غيرهم، وقد تضمنت هذه المواد معلومات قديمة عن بلاد عُمان.

فالتاجر سليمان(ت237ه/851م)، يتحدث في كتابه (سلسلة التواريخ) عن حركة السفن والمراكب التجارية المنطلقة من (سيراف)، ومنطقة عُمان باتجاه الهند والصين فيقول: إن أكثر السفن التجارية الصينية تحمل من سيراف وأن المتاع يحمل من البصرة وعُمان وغيرها إلى سيراف، فيعبأ في السفن الصينية هناك، ثم تقلع السفن إلى (مسقط) وهو آخر عمل عُمان، والمسافة من سيراف إلى مسقط نحو 200 فرسخ.. وفي هذا البحر جبال عُمان، حيث يوجد فيها الموضع الذي يسمى (الدردور) وهو مضيق بين جبلين ، تسلكه السفن الصغار، ولا تسلكه السفن الصينية.. وفيها ايضاً الجبلان اللذان يقال لهما: ( كسير وعوير)، ولا يظهر منهما فوق الماء الا الجزء اليسير، فاذا جاوزت السفن ترسو في (مسقط)حيث تتزود بالمياه العذبة، ثم تقلع إلى بلاد الهند، وتمر في طريقها إلى ( كوكم ملي)، وتقطع السفن تلك المسافة في مدة شهر أن كانت الريح معتدلة وكانت سفن الصين تنقل الحرير إلى بلاد العرب.

ويذكر ابو زيد الحسن السيرافي في كتابه (أخبار الصين والهند) أن بلاد عُمان كانت تشتهر بالربابنة والأدلاء لتزيد المراكب الصينية والهندية والعربية بهم… أما عن علاقات عُمان بجزر الشرق الاقصى فيقول إن في جزيرة “كله”، مجمع الامتعة من الأعواد والكافور والصندل والعاج والرصاص، والأبنوس، والبقم والأفاوية كلها، وتنقل هذه السلع من هذه الجزيرة إلى عُمان بالإضافة إلى أن المراكب تجهز بصنوف السلع العربية في طريقها إلى الهند.

ويتحدث ابن خرداذبة(ت272هـ /885م) في كتابه “المسالك والممالك” عن بلاد عُمان ، فيذكر أن خراجها يبلغ 300 الف دينار سنوياً، ثم يوضح اهمية موقعها في التجارة الدولية آنذاك، حيث كان التجار يقصدونها في طريقهم من ( الابله) في جنوب العراق إلى الهند والسند والصين.

أما كورة ارض عُمان فهي صحار، وأما قراها فأكثر مجامعها مورد من أوديتها، وأما الذين سكنوا عُمان من الأزد فهم: يحمد، وحدان، ومالك، والحارث، وعتيك، وجديد.

ويذكر الاصطخري(ت 340هـ/951م) في كتابة ( مسالك الممالك) أن ديار العرب لا يشركهم في سكناها احد غيرهم، ويحيط بها فارس( الخليج العربي)، الذي يمتد من عبادان، التي يصب عندها ماء دجلة والفرات في البحر إلى البحرين، وينتهي في عُمان ثم ينعطف على سواحل مهرة وحضرموت وعدن حتى ينتهي على سواحل اليمن إلى جدة، ثم يمتد على طول الحجاز حتى ينتهي في ايلة ( العقبة الحالية).. ويعطينا الاصطخري وصفاً جيداً لعُمان فهو يقول: عُمان مستقلة بأهلها كثيرة النخيل والفواكه كالموز والرمان والنبق وغيره اما قصبة بلاد عُمان فهي صحار وتقع على البحر وبها متاجر البحر وتقصدها المراكب، وهي أعمر مدينة بعُمان وأكثرها مالاً، ولا تكاد تعرف على ساحل البحر بجميع بلاد الإسلام مدينة أكثر عمارة ومالاً من صحار… بالإضافة إلى أن بلاد عُمان تحتوي على مدن كثيرة، أما مساحتها فتبلغ 300 فرسخ، والمسافة بين عُمان والبحرين مسيرة شهر واحد، ومنها إلى ارض مهرة نحو شهر كذلك.

وفي حديث الحميري عن بلاد عُمان يقول: هي بلاد مستقلة في ذاتها عامرة بأهلها كثيرة النخيل والفواكه والموز والرمان والتين والعنب… وتبلغ مساحة عُمان 80 فرسخاً في مثلها…والى البحر منها سهول ورمال، وما تباعد منه حزون (أرض غليظة) وجبال ولها عدة مدن منها مدينة (عُمان).. وتقع على ساحل البحر وهي مدينة حصينة وعلى الجانب الآخر يحيط بها جبل فيه مياه سائحة قد اجريت إلى المدينة، وهي كثيرة النخل والبساتين وضروب الفواكه …وبمدينة عُمان الخانات والحمامات التي بنيت خدمة للتجار القادمين اليها، وطعام أهالي عُمان الحنطة والشعير والأرز والجاورس ولمدينة عُمان سور به ابواب من حديد وبها اسواق كثيرة وهي فرضة الصين، تحمل اليها الامتعة من سيراف وتكون الحمولة في قوارب صغيرة ثم تحمل تلك البضائع في مراكب كبيرة عظيمة فتسير في البحر العظيم بالريح الطيبة باتجاه الهند والصين.

أما مسقط فيذكر انها في طريق عُمان على البحر يمر عليها من اراد بلاد الهند والصين، فيسير من الشمال تلقاء الجنوب حتى يصل إلى مسقط، وتقع هذه المدينة بين جبلين وترسو فيها السفن حيت تستقي من آبارها العذبة، وتحمل تلك السفن الحجارة من مسقط لرمي العدو إذا خرج عليها، تبعد مسقط عن شحر حضرموت مسافة 90فرسخاً.

وأخيراً فإن القلقشندي(ت821هـ/1418م) يذكر في سفره( صبح الأعشى في صناعة الإنشا) بلاد عُمان فيقول: إن قاعدتها مدينة ( عُمان)…وتقع على البحر تحت البصرة وهي مدينة جليلة بها مرسى السفن من السند والهند والزنج وليس على بحر فارس مدينة أجلّ منها وهي ديار الأزد وتبلغ نحو 300 فرسخ.

خريطة عُمان

وفي الجغرافيا..

تقع عُمان في اقصى جنوب شرقي الجزيرة العربية، وحدودها الجغرافية تاريخياً واضحة من الوجهة الطبيعية، فأطرافها الشمالية تمتد إلى مسندم على ساحل مضيق هرمز، وتتداخل أراضيها مع رمال الربع الخالي من الغرب والجنوب الغربي، ويفصلها عن البحرين وقطر رمال بينونة، وعن حضرموت رمال الاحقاف المتصلة بالربع الخالي وقد أدى هذا الموقع إلى أن اصبحت لعُمان شخصيتها الجغرافية الخاصة، واصبح اتصالها بالبحر من سماتها الواضحة، وتميز ساحلها الذي يطل على هذا البحر بكثرة الخلجان الطويلة العميقة ذات الجوانب الصخرية هضبة مرتفعة، متوسط ارتفاعها نحو 1500 متر ولها سلسلة فقرية هي الجبل الاخضر الواقع إلى الجنوب الغربي من مسقط، والذي ترتفع قممه إلى نحو ثلاثة آلاف متر، وتكثر في الهضبة الاودية السحيقة ذات الجوانب شديدة الانحدار.

وإذا كانت الجغرافيا لعُمان تميزها على هذا النحو عن سائر انحاء الجزيرة العربية، فان موقعها الجغرافي ايضاً له أهمية كبرى، ذلك لأنه لعب دوراً هاماً في قوة البلاد الذاتية، فلم يكن مجرد عامل جغرافي فحسب وانما هو رأسمال طبيعي وسياسي ومورد اصيل من موارد الثروة القومية، كما انه يمثل شبكة من العلاقات الاقليمية التي تؤثر في المحيط الاقليمي والقومي، لا سيما وان عُمان تتمتع بموقع بحري هام، اذ تمتد سواحلها إلى 3165 كيلومتراً، وتطل كما هو معروف على بحر عُمان ثم بحر العرب الذي يتصل بالمحيط الهندي. كما تتحكم عُمان في مضيق هرمز من الناحية الجنوبية، وهو المضيق او الممر المائي الوحيد الذي يصل الخليج العربي ببحر العرب والمحيط الهندي.

وقد أدى هذا الموقع الممتاز لعُمان إلى نتيجة هامة، هي تفوقها البحري، خاصة اذا ما علمنا أن الاتصال البري بينها وبين المناطق المجاورة لها كان صعباً، فقد كان بين البحرين وعُمان على سبيل المثال برية ممتنعة، بالإضافة إلى كثرة القفار، وقلة السكان، فكان على العُمانيين أن يسلكوا الطريق البحري.

عن الرحالة والمستكشفين..

ترك لنا رحالة القرنين الثالث عشر والرابع عشر الميلاديين كماركوبولو الايطالي او ابن بطوطة فقد تركوا لنا وصفاً تفصيلياً عن البلاد وأحوالها وموانيها وعادات وتقاليد سكانها.

وقد ذكر هؤلاء الرحالة أن العُمانيين كانوا من اوائل التجار الذين جابوا البحار وحملوا صادرات العالم المختلفة… فأبو عبيدة عبدالله بن القاسم اول من ذهب إلى الصين في العصر الاسلامي وكان ذلك عام(133هـ/750م) مما أكد على أهمية موقع عُمان وعلي اهميتها التجارية آنذاك فهي تقع على مفترق الطرق البحرية بين الصين والهند شرقاً والعراق شمالاً وشرقاً والبحر الاحمر غرباً… مما ساعد العمانيين على القيام برحلات إلى الصين والهند حيث كانوا يشترون من الصين الحرير والكافور والمسك والتوابل والخزف… ومن الهند خشب الساج والارز والمواد

الغذائية وفي المقابل يصدرون بضائع الشرق من الكتان والقطن والصوف والمصنوعات المعدنية والحديد الخام وسبائك الذهب … أما اهم صادرات عُمان فكانت الخيول واللبان.

فإذا رجعنا إلى ما كتبه رحالتنا ونبدأ برحالة ومؤرخ هو المسعودي الذي قام بالعديد من الرحلات بداية 309ه عبر فارس وكرمان والهند والملبار والمنصورة وسرنديب… وذهب إلى الصين وطاف البحر الهندي من مدغشقر وعاد إلى عُمان وقام برحلة أخرى إلى اذربيجان والشام ثم استقر بمصر…وعند زيارته لعُمان بهره النشاط واسعة في التجارة … ولقد وصف رحلته إلى المحيط الهندي فذكر أن المحيط يمتد من الحبشة إلى أقصى الهند والصين وانه يمتد ثمانية آلاف ميل وأن غالبية البحارة على السفن من أهل عُمان وهم احسن البحارة وانهم ارباب المراكب ولديهم خبرة بالبحر وبصيد اللؤلؤ من بحر عُمان والخليج، ويقول انه بجانب اللؤلؤ كان يوجد في هذه المنطقة العقيق والياقوت ومعدن الذهب وان ارض عُمان اشتهرت بالنحاس خاصة، بالإضافة إلى الطيب والعنبر والساج والخشب.

كما يُذكر أن الصيد كان من حرف أهل عُمان الرئيسية، وذكر نوعاً من الاسماك هو غالباً الحيتان وكانت المدن الساحلية التي كانت تتمتع بحركة تجارية في عُمان قلهات وصحار وكان الفرس يسمونها مزون.. أما مسقط فلم تكن قد اكتسبت شهرتها بعد فيذكر انها فرضة يستقي ارباب المراكب الماء من آبار عذبة فيها.

أما الشحر فهم عرب من قضاعة وهم مهرة أيضاً في التجارة ويشير إلى أن لغتهم دخلت عليها لكنة ، والمدينة بها افضل الجمال وكذلك كان لديهم افضل عنبر، ولقد عدد له تجار عُمان انواع العنبر…ويذكر أن بمنطقة تسمى الحلاد مكانا به علامات منصوبة من خشب على البحر وهي علامات للمراكب المتجهة إلى عُمان.

فإذا مضينا عبر الزمان ووصلنا إلى القرن التاسع الهجري-الثالث عشر الميلادي والتقينا برحالة آخر هذه المرة ايطالي المولد والجنسية هو الرحالة الشهير ماركوبولو والذي عاش سبعة عشر عاماً في بلاط المغول وزار عُمان اثناء عودته وهنا نجد أن الوضع اختلف عما رآه المسعودي في القرن الرابع وإن ظلت عُمان تتمتع بأهميتها البحرية ونشاطاتها التجارية، ولكن الذي اختلف هو أهمية المدن فإن صحار بدأت تفقد أهميتها القديمة وحلت محلها ظفار وقلهات وكانت اول مدينة يمر بها اثناء رحلته هي مدينة اسكبير( الشحر)…وأشار إلى شهرتها التجارية حيث كان يُصدر منها أهم منتجات عُمان وهو اللبان. ويعد اللبان الابيض أفضل انواعه وانهم يحصلون عليه من شجرة صغيرة يقوم الناس بجرح جسمها فيسيل منها سائل بعد نزع لحائها.

ويذكر أن الخيول ايضاً تمثل جانباً هاما من صادرات هذه المدينة وكانت تباع بأسعار عالية وتصدر للهند.

أما عن حاصلات عُمان فيذكر أن اهمها النخيل، وينتج اجود انواع البلح وكان لديهم شراب من الارز والسكر والبلح، وان كان يذكر انه لم تكن هناك العديد من الزراعات بل اقتصروا على الأرز والدخن وأنهم كانوا يستوردون المواد الغذائية.

وبالنسبة لظفار فيذكر انها كانت ميناء هاماً تصدر منه الخيول إلى الهند وكذلك كان يصدر منها اللبان ويدخل في دائرتها مدن وقلاع عديدة.

وهنا يرد ذكر مدينة قلهات وأهميتها التجارية ويذكرها باسم قلاياتي وهي غير بعيدة عن مسقط، ويذكر أن المدينة تتبع ملك هرمز الذي يعتقد انه تابع لحاكم كرمان، وأورد أن الحاكم كان يلجأ اليها حين يتعرض لخطر من أي مدينة أخرى لحصانة موقعها، وهي كظفار لا تنتج الحبوب بل تستوردها.

ويتحدث عن ميناء المدينة، والمرجح انه يتكلم عن مسقط فيذكر أن السفن تنقل إلى هذا الميناء القماش والتوابل حيث يبيعها التجار ويحصلون في المقابل على الخيول.

ويذكر أن للميناء قلعة في موقع منيع عند مدخل الخليج بحيث لا يستطيع مركب الدخول اليه او الخروج منه بغير إذن، وكان يجبي رسوماً من التجار، وكان ذلك الحصن بمكانه المنيع لا يشكل بالفعل مفتاحاً للخليج فقط بل للبحر نفسه، لان المقيم في الحصن يمكنه في كل الاوقات اكتشاف السفن التي تمر، اذ يهيئ ملجأ للسفن المعدة للتطواف.

وفي القرن الذي تلا القرن الذي عاش فيه ماركوبولو، وهو القرن الرابع عشر للميلاد، يأتي الرحالة المغربي ابن بطوطة ويعطينا وصفاً رائعاً لبعض بلاد عُمان وعادات اهلها، فذكر انه زار الهند ومنها أبحر إلى ظفار مع مساعدة الريح في شهر كامل، وانه سبق أن قطع المسافة ايضاً من كاليكوت إلى ظفار في ثمانية وعشرين يوماً وان المدينة تحيطها الصحراء… وهو يصف المدينة كما رآها … فقصر السلطان بداخل المدينة، ومن عادة السلطان أن تضرب الطبول امام قصره كل يوم بعد صلاة العصر كما انه جعل يوم الجمعة مجلساً للمشاورة مع الاهالي، وكان يلتقي بجنده كل يومي اثنين وخميس… وكان السلطان اذا خرج ، خرج بسلاحه ومماليكه إلى خارج المدينة حيث يُؤتى اليه بجمل عليه محمل مستور بستر ابيض منقوش بالذهب فيركب هو ونديمه في هذا المحمل بحيث لا يُرى… وكان له وزير يدير اموره…أما الناس فكان جل اعتمادهم في طعامهم على الاسماك، التي كانوا يستعملونها ايضاً طعاماً لماشيتهم.

محافظة ظفار

تكتسب محافظة ظفار أهمية تاريخية ومكانة خاصة في التاريخ العُماني الحديث والقديم على السواء، فمن صلالة (مدينة الاصالة والمجد) انبلج فجر النهضة العُمانية الحديثة. وكما كانت محافظة ظفار، ارض اللبان والبخور في الجزيرة العربية بوابة عُمان الضخمة على المحيط الهندي ومعبر القوافل في جنوب شبه الجزيرة العربية، فإنها كانت كذلك انطلاقة عُمان إلى التقدم والتطور والازدهار في ظل النهضة العُمانية الحديثة.

تقع محافظة ظفار في اقصى جنوب سلطنة عُمان، وتبعد مدينة صلالة عن مسقط بنحو 1000 كيلومتر، وتتصل محافظة ظفار من الغرب بمحافظة الوسطى ومن الجنوب الشرقي والجنوب ببحر العرب، ومن الغرب والجنوب الغربي بالحدود مع الجمهورية اليمنية ومن الشمال والشمال الغربي بصحراء الربع الخالي، وتشتهر بطقسها الموسمي الذي يعرف محلياً “بالخريف” حيث تعيش أحلي اوقاتها وتكسوها الخضرة ويلف الضباب الابيض هضابها، كما يهطل الرذاذ الخفيف ليلطف الجو.

وتضم محافظة ظفار(10) ولايات هي ولاية صلالة وطاقة ومرباط ورخيوت  وثمريت  وضلكوت والمزيونة ومقشن وشليم وجزر الحلانيات وسدح ، ومركز المحافظة ولاية صلالة.

 

Exit mobile version