في ذكرى غريغوار حداد
المطران غريغوار حداد، لم يعد بيننا. ليته معنا. كان من المؤمنين بالإنسان هدفاً وغاية، وكل ما في الدنيا لخدمته. خدمة كل انسان، وكل الانسان. شرط ايمانك القويم، أن تؤمن، أن لا أول قبل الانسان. المسيح قالها لرسله: “جئت لأخَدُم، لا كي أُخدَم”.
المطران المزعج، عاش مطمئناً على صراطه المستقيم. قال ما لم يقل وما لا يقال، حتى سراً. أعلن على الملأ ما يثير جلبة وشكوكاً. كتب ما لا تأذن به السلطات الكنسية. غضبت منه وعليه. لا حدود لجرأته. قال “يلزم تحرير المسيح من الكنيسة”. بل قال أكثر: “يجب تحرير المسيح من المسيحية”. هذا كفر مقدس. كل ايمان لا يكون غرضه خدمة الانسان هو ايمان صنمي، منحرف عن جوهر الرسالة. فليس النص مهماً، عل ما قال بولس الرسول: “الحرف يقتل اما الروح فيحيي”.
نفتقده اليوم أكثر. المطران الذي كان طموحه أن لا يكون مطراناً. تحَّول إلى مطران مدني، صافي العلمانية بانتماء اجتماعي شامل… كان من الطبيعي أن ترفضه المؤسسة وأن تحاكمه السلطة الدينية، وان تعاقبه على ثورته، بل على انتمائه، وان تعزله، وسط غضب الذين تحرروا معه، من عقدة العقيدة التي لا تمس، وعقدة الصراط التقليدي، وهو صراط بعيد جداً عن “المسيح والانسان”. وإذا كانت الكنيسة عائقاً ما بين الاثنين، فلا بد أن تتنحى الكنيسة وتترك الساحة لمؤمنين بطريقة جديدة، إذ، لا توجد طريقة واحدة للحب والعشق.
المطران الاحمر، أُطلق عليه اللقب لغرابته وغربته. فهو قريب من اليسار، يبرر وجود المؤمنين والملحدين. يرى إلى الأناجيل، قناديل ضوء، وهو ما لا يراه الطقس اللاهوتي الكنسي، الذي تعود جذوره إلى العصور الوسطى. المطران الأحمر، وقف ضد “رأسمالية الروحيين” (رجال الدين) المتحالفة مع الرأسمالية اللبنانية الجشعة… مثل هذا المطران يصعب أن يبقى في منصبه، ويستحيل أن يبيع قناعاته بمنصب.
لم يخسر عندما عُزل. داوم على الصح. تجرأ على ما يُعتبر من أقدس الاقداس: على الاناجيل الاربعة. المسيح، ليس كما يصفه الرسل. نصوص الاناجيل يلزمها تجديد في الفهم والقراءة، لتأسيس لحظة جديدة قوامها اقنومان: الانسان والمسيح، وما بينهما من تشابه وتكامل. أي فراق بينهما، يحتله اناس ذوو مصالح، يبعدون الشقة بين الله والانسان.
مؤمنا بالإنسان اولاً، يفسر الثورات بطريقة تُدين القوى التي تقف في وجهها. يقول: “إذا كانت الثورات قد وقعت في معظم الاحيان في بلاد، ضد الكنيسة واسقفها، او احيانا من دون الكنيسة، فلأن معظم رجالات الكنيسة قد حدُّوا اهتمامهم بالمؤسسة الدينية، تاركين التعليم المسيحي الاول: حب القريب، لان خدمة الانسان الضعيف، تأتي قبل خدمة المسيح”. إذاً، الله ليس اولاً.
كان من بين اهدافه تحرير المسيح من تحالف اللاهوت والمال. كم نحن بحاجة اليه. بعده، لا مثيل له. لذا نفتقده. فعد الينا.