طلال سلمان

عودة الى »الحد ادنى«

لا يترك »المشهد السياسي العربي« فرصة لتوقع نتائج باهرة من جولة وزيرة الخارجية الأميركية في بعض عواصم المنطقة خلال الأيام الثلاثة المقبلة.
وللوهلة الأولى يبدو وكأن مادلين أولبرايت هي التي ستنسق بين المواقف العربية، وهي التي ستستخلص »المشترك« بينها وتبني عليه، وهي التي ستبلغ إسرائيل تلك الخلاصات ثم تعود إلى الدول العربية المعنية بالرد، ومن موقع »الوسيط النزيه« وليس من موقع »الراعي« أو »قوة الدفع« وسائر التوصيفات التي أسبغها الأميركي على نفسه في مؤتمر مدريد وما بعده مباشرة.
هل بعدت المسافات، حقاً، بين العواصم العربية، وتحديدا بين الرياض والقاهرة ودمشق، بحيث صار ضروريا أن يتولى »وسيط« ما التقريب بينها، وترجمة الأفكار والمقترحات… علما بأن الوساطة احتكار مطلق للأميركي لا يسمح لغيره بأن يقوم به على أي مستوى وتحت أي عنوان؟!
منذ فترة طويلة توقفت لقاءات التنسيق الثلاثية، التي أوحت في لحظة وكأن سوريا ومصر والسعودية ستوفر المظلة أو النواة لإعادة تجميع الصف العربي.
كذلك توقفت تلك اللقاءات الثنائية الدورية التي كانت تتم مرة كل شهر بين القيادتين السورية والمصرية، والتي حفظت شيئا من الأمل بأن يعود العرب إلى التلاقي وإلى تنسيق المواقف لمواجهة التعنت الإسرائيلي والضغوط الأميركية.
ومع الوعي الكامل بالنتائج المحدودة لمثل تلك اللقاءات الثلاثية أو الثنائية، إلا أنها كانت تشكل »وعدا« أو »احتمالا« بإمكان تطويرها لتغدو قاعدة لموقف عربي مشترك، إن لم يكن موحدا، يضع تخماً لحالة التراجع ويؤخر الانهيار، وقد يمنعه إذا أمكن تطويره بالاستفادة من محاولات التنصل الإسرائيلي مما كان تم الوصول إليه من نتائج، ولو مبدئياً، وبصيغة افتراضية.
الآن يختلف الأمر اختلافا بيّنا:
فمادلين أولبرايت تبدأ مع السعودية بتحريك المواجع العراقية،
وهي ستحاول، مجددا، اللعب على ما تفترضه »التناقضات« السورية الفلسطينية،
وستحاول إحراج مصر بتخييرها بين »دورها الفلسطيني« المحدود جدا والذي يبقى من طبيعة »استدراكية«، وبين دورها العربي، الذي تعاونت مع تل أبيب على محاصرته وتحجيمه حتى كاد يتلاشى،
الهمّ العراقي للسعودية والخليج،
الهمّ الفلسطيني لمصر،
والهمّ الإسرائيلي لسوريا (ومعها لبنان)،
ويكاد يمنع التنسيق فكيف بالتكامل أو وحدة الموقف؟!
وبغير أن نطلع على الأسرار العميقة لجولة أولبرايت الجديدة في المنطقة فليس صعبا الاستنتاج بأنها محاولة أخرى لإرجاء مبرر لتحديد موقف أميركي قاطع، من موضوع الوديعة، يمكن أن يفتح الباب لاستئناف المفاوضات.
إن إسرائيل، برغم الخلافات الحادة بين قواها السياسية، وصراع الزعامات والقيادات، تظل واحدة في مواجهة المواقف العربية.. بل هي تتصرف دائما وكأن ثمة موقفا عربيا، واحدا، ولو كاحتمال.
أما العرب فليس أسهل من تمزيق صفوفهم، بغواية بعضهم، وتطمين البعض الآخر، وتهديد البعض الثالث، فإذا كل في طريق،
مع ذلك ما زلنا نتمنى أن تكون الإشارات القليلة والمتواترة عن احتمال تجدد اللقاءات الثنائية (المصرية السورية) والثلاثية (مع انضمام السعودية إليها) وعداً صادقاً بصفحة جديدة عربياً.
طلال سلمان

Exit mobile version