طلال سلمان

عهد التميمي تقاتل إسرائيل والنظام العربي يقاتل فلسطين والعروبة

يكفينا شرفاً اننا نعيش في عصر عهد التميمي..

ولكن “ازمة المصير العربي” تتجاوز قدرات “عهد” وامكاناتها..

ذلك أن النظام العربي، يجهد بالتواطؤ مع العدو الاسرائيلي، وتحت غطاء الهيمنة الاميركية، لطمس القضية الفلسطينية، “قضية العرب المقدسة”، بالخديعة او بالتآمر او بالتوجه نحو الاستسلام المريح.

ولقد باتت هذه “الخطة” سياسية عربية رسمية، لا يهزها فيخلخل اركانها الا الدم الفلسطيني الذي لا يكف عن تأكيد قداسة الارض، بصمود الجيل الجديد في فلسطين، ولو بلا سلاح في وجه بطش العدو الاسرائيلي ووحشيته في قمع ابسط مظاهر الاعتراض والاحتجاج، ولو من خلف “الحدود” في غزه، وبالأسلحة البسيطة التي يمتلكها، أي الحجارة والطائرات الورقية التي تخترق فضاء الارض المقدسة لتؤكد أن الارض كانت لأهلها وستبقى مهما طال الزمن وطال معه غياب العرب بأنظمتهم العسكرية، في الغالب الاعم، او البدوية وهي الأغنى والاسرع بالتنازل عن حماية لثروة الهائلة (النفط والغاز) التي يعترف اصحاب ارضها انهم اعجز من أن يوفروا تلك الحماية، فيشترونها بالذهب والولاء لمن يوفرها..

المعادلة بسيطة اساسا: اذ التزم النظام العربي بشروط الهوية القومية فان المواجهة الحتمية تغدو ممكنة والنصر فيها اكيد، أما إذا ذهب كل “قطر” عربي إلى حيث تقوده مصالح نظامه، فان الكيان الاسرائيلي سيتحول إلى امبراطورية عظمى تبتلع الدول العربية واحدة بعد الأخرى، وتحول رعاياها إلى عبيد وخدم يعملون لمصلحة مشروعها “الامبريالي” في الهيمنة على المشرق العربي والتحكم بقرار المغرب العربي.

وشروط المقاومة والصمود لتحقيق مثل هذا النصر التاريخي بسيطة بساطة “عهد التميمي” بدر المقاومة الفلسطينية وشمس الصمود العربي الممكن بالإرادة والإيمان ومواجهة العدو الاسرائيلي بقوة حقها في ارضها التي كانت دائماً أرضها..

لم يحرر أي شعب، في أي مكان من العالم، ارضه بالخطابات الحماسية، مشفوعة باللقاءات السرية مع العدو والمساومات والتنازلات المتوالية عبر الوساطات الدولية التي تكون لصالح الأقوى.. مع شيء من الاشفاق على الاضعف.

ويحفظ التاريخ في صفحاته الذهبية حكايات البطولة التي بذلتها مجاهدات لا يمكن نسيانهن وتجاهل دورهن في تاريخ التحرر والاستقلال، لاسيما في العقود الاخيرة من القرن العشرين واشهرهن جزائريات بعنوان جميلة بوحيرد..

ولطالما افتدت هاته المجاهدات وحدة الشعب ورصت الصفوف حول مطالبه المحقة في الحرية والاستقلال وتوكيد الهوية الوطنية والمصير القومي تثبيتاً لمصالح الامة ومناعة موقفها في مواجهة اعدائها والطامعين بأرضها وثرواتها والسيطرة على قرارها الوطني.

*****

المفجع أن الانظمة العربية التي هجرت هويتها القومية منذ زمن طويل، والتي اندفعت تبيع القرار الوطني لبلادها في بازار المساومات الدولية، قد اندفعت إلى الاقتتال بعيداً عن الميدان الاصلي.. فأغنى اهل النظام العربي يقاتلون افقرهم (اليمن نموذجاً..)

بالمقابل فان اسرائيل التي زرعت بالقوة والخديعة، دولياً، والخيانة عربياً، تعلن نفسها اليوم “الدولة القومية ليهود العالم” بينما يهجر العرب قوميتهم التي يؤكدها التاريخ المشترك واللغة القومية والدين (بالغالبية الاسلامية والوجود المسيحي الفاعل والثابت في التراث العربي، قديمه والحديث.. مع عدم انكار الوجود اليهودي، في المشرق والمغرب وصولاً إلى الاندلس) واسهام الاطياف جميعاً في هذه الحضارة العربية ـ الاسلامية، علوماً وفنوناً وشعراً وثقافة..

ولقد أغرت التنازلات العربية المتوالية والمتسارعة دولة مثل تركيا لان تتقدم احدى شركاتها الكبرى بعرض لبناء السفارة الاميركية الجديدة في القدس المحتلة، بينما لم تتوقف اسرائيل عن اهانتها (وكلنا يذكر صورة السفير التركي في تل ابيب يجلس على كرسي منخفض في مكتب بوزارة الخارجية الاسرائيلية، يستمع إلى تأنيب رسمي على موقف مؤيد لغزة، ذات يوم..)

باتت الوحدة العربية في الأحلام..

وتبخر التضامن العربي، وحل محله الاقتتال بين العرب: من اليمن إلى سوريا، ومن العراق إلى ليبيا.. واندثرت جامعة الدول العربية بعدما تحكمت الدول الصغيرة (بقوة غازها) بقرارها، قافزة من فوق، او مستهينة بقرار الدول المؤسسة لهذه الجامعة او متحكمة به..

على هذا فقد بات مشروعاً أن تسخر الدول الكبرى، بعنوان واشنطن، من تعابير مثل: المصالح العربية المشتركة، او “القرار العربي” او “الموقف العربي الموحد..”

من هنا، فان الايقونة “عهد التميمي” قد تثير الاعجاب والحماسة على الصعيد الشعبي، ولكنها بالمقابل تثير المخاوف لدى أهل النظام العربي، وقد تدفعهم إلى تسريع الخطوات نحو الخضوع بالكامل لدولة العدو الاسرائيلي، مثل الاعتراف بها وتبادل السفارات (التي يجري العمل لإتمامها في القريب العاجل… ودبي كانت السباقة في هذا المجال).

كذلك فان “محور الاثرياء” يقوم الآن في مواجهة “محور الفقراء” من العرب.. وبعد “مجلس التعاون الخليجي” الذي “ابعدت” عنه قطر بعد مشكلتها غير المفهومة مع السعودية (وهي التي لم تعاقب على اعترافها بإسرائيل وتبادل التمثيل الدبلوماسي معها قبل عقدين تقريباً)، ها هي السعودية ومعها الامارات تشن حرب تدمير مفتوحة على اليمن بشعار طائفي مضمر يتخذ من “الحوثيين” عنواناً مموهاً للحرب بين الزيود (وهم فرقة شيعية) والشوافع (وهم من اهل السنة).. وهكذا تتحول معركة التوسع بالنفوذ إلى معركة دينية وتموه بالعداء لإيران في حين تدفع اليمن الثمن من عمرانها العريق ومن دولتها التي تكاد تندثر من حق شبعها في الحياة، ومن لم يمت من اطفاله بالكوليرا يموت بتفجير البيوت والمدارس والمستشفيات في مدن التاريخ وبلاد أهل الفتح في طول المشرق امتداداً إلى المغرب.. حتى الاندلس.

*****

ماذا تستطيع أن تفعل الايقونة عهد التميمي في هكذا مناخ عربي؟

ومع أن شعب فلسطين يقدم، في كل يوم، نماذج جديدة، وغالباً غير مسبوقة في التضحية والفداء والتشبث بالأرض والمقاومة باللحم الحي، الا أن اهل النظام العربي يقدمون، كل يوم، المزيد من التنازلات للعدو الاسرائيلي مباشرة، او عن طريق لأميركا دونالد ترامب.

لقد غرق النظام العربي في التنازلات حتى لم يعد باستطاعته التوقف، وهو سوف يمضي قدماً في تقديمها للعدو الاسرائيلي المتمتع بالإسناد الاميركي المفتوح، مقابل حماية هذا النظام ودوام استمراره.

إن النظام يشتري عمره بالأرض وكرامتها، والسيادة الوطنية وجلالها..

وعهد التميمي تميمة، وحافز، وجرس انذار، ومنشد نداء الثورة، وأرغل فلسطين، والرمز المضيء امام الاجيال العربية الجديدة..

والخوف أن ينجح اهل النظام العربي، بدءاً بالسلطة الفلسطينية، في توسل صورة المصافحة مع عهد التميمي للاندفاع أسرع فأسرع على طريق تصفية القضية الفلسطينية مشعلها العظيم الذي كان يسمى “العروبة” وسيبقى اسمه “العروبة”، وستبقى هذه “العروبة” اقوى من النظام العربي وأبقى.

تنشر بالتزامن مع جريدتي “الشروق” المصرية و”القدس” الفلسطينية

 

 

Exit mobile version