طلال سلمان

عن ندوة:أن نفهم الإسلام-أوروبا بين الحوار والمواجهة إيطاليا تتقدم لمحاورة المسلمين لعل الإسلام يعوض ما ينقص المتوسطية(صور)

روما طلال سلمان
عند مدخل الفندق لافتة ترشدنا إلى القاعة بكلمة واحدة »إسلام«،
في صدر القاعة لوحة ضخمة تحمل عنوان الندوة »من أجل أن نفهم الإسلام: أوروبا بين المواجهة والحوار«، وعلى الزاوية اليسرى شعار المنظمين »تحالف الزيتون« الذي يضم بضعة أحزاب يسارية في إيطاليا، أما على الزاوية اليمنى فتسمق وردة حمراء شعار أحزاب الاشتراكية الأوروبية تتوسط نجوم الوحدة الأوروبية ال15.
من النافذة تبدو قبة الفاتيكان القريب، في حين تعلن »السيدة الرئيس«، التي لا تخطئ التقدير في أنها »كادر شيوعي« عريق، فتح الباب للحوار بين الضيوف الأربعة عشر الذين استُدعوا من أنحاء شتى وبين مجموعة مختارة من الهيئة البرلمانية للأحزاب الاشتراكية في البرلمان الأوروبي.
إنها خطوة أولى، يقول »الزميل« روبرتو، لعلنا قد تأخرنا، بل مؤكد أننا قد تأخرنا، وحتى الفاتيكان سجّل علينا سبقاً مهماً، لكن المهم أننا نبدأ الآن وأننا سوف نتابع هذا الحوار وعلى مستويات عدة.
يضيف ألبرتو، وهو أحد أركان اللجنة المنظمة: لا نستطيع أن نكون محايدين لأننا لا نستطيع أن ندّعي الصمم.. ان انفجارات الجزائر تدوي هنا في روما، كذلك فإننا نلمس مباشرة الآثار السيئة للعقوبات المفروضة على ليبيا، أما مذبحة الأقصر فقد هزّتنا هزاً عنيفاً.. ناهيك بأننا نستقبل يومياً عشرات الهاربين من بطش سلطاتهم أو من لوثة الدم التي تحوّل العمل السياسي إلى »مقتلة« مفتوحة.
تبدأ الندوة بتحية من رئيس مجلس النواب لوشانو فيولنته تُقرأ عنه بالنيابة، ويهمسون لنا: المناقشات محتدمة في البرلمان منذ ثلاثة أيام متصلة، ولا أحد يجرؤ على الغياب إذ قد يطرحون الأمر على التصويت أو قد نضطر لإحراجهم بطرح الثقة، والصوت الواحد قد يقلب المواقف،
في الجلسة الأولى تحدث أربعة: سامي زبيدة، مدير معهد العلوم السياسية في جامعة بيربيك البريطانية، وهو من أصل عراقي وكان موضوعه »من اسطنبول الى الرباط: التحدي الأصولي، الحالة التركية«، ثم فلسطينيان، زياد أبو عامر من جامعة بيرزيت عن »حماس في الأمس والغد« وخليل الشقاقي من مركز البحوث والدراسات في نابلس عن »الإسلاميون الفلسطينيون وعملية السلام« وختم نبيل عبد الفتاح، مدير مركز الدراسات الاستراتيجية في »الأهرام« عن »الغرب والإخوان المسلمين«.
احتدم النقاش، بالرزانة الأكاديمية المعهودة، بين المنتدين، وكان يتحول إلى السياسة اليومية فقط عندما يتدخل فيه المشاركون الطلاينة وهم.. سياسيون.
في جلسة بعد الظهر اتخذ التمايز بعده الكامل، وتبدّى جلياً في عناوين المداخلات: »الاتحاد الأوروبي والعلاقات مع بلدان المتوسط« للبرلمان الأوروبي، روبرتو سباشياله، »بين الأرض الموعودة والجنات الضائعة« للأكاديمي ك. براون من جامعة مانشيستر والمعهد المغربي الأوروبي في باريس، »الإسلام والإسلامية في لبنان« طلال سلمان، ثم »التعاون الإقليمي والأدوات الرسمية« باسكوالينا نابوليتانو، و»خبرتي بين اسطنبول والقدس« وندي كريستياسن الصحافية في دورية »لوموند دبلوماتيك«.
اليوم الثاني كان له عنوان أكثر تحديدا وإثارة سياسية: »أوروبا والعالم الإسلامي أين الحوار«، وفي سياقه قدمت الصحافية الجزائرية غاليا مسوق مقتطفات من تجربة الحياة في قلب العاصفة الدموية التي تضرب الآن المجتمع الجزائري، ثم تحدث رئيس التحرير في »الأهرام« محمد سيد أحمد عن »الإسلام كإيديولوجية«، في حين تحدث مدير البحوث في المؤسسة الوطنية للعلوم السياسية في باريس أوليفييه كارري عن »التطرف الإسلامي: المرحلية والآفاق«، وبعده كان حديث لآنا بوتسو من جامعة روما عن »الإسلام والمواطنية«، ثم تحدث الأستاذ الفرنسي في جامعة بيرزيت الفلسطينية روجيه هليوك عن »التاريخ العثماني ومشكلات اليوم«، وتلاه الباحث في معهد الدراسات الاستراتيجية في جامعة عمان أياد قطان عن »الإسلام في الاعلام الغربي« في حين تحدث الطبيب في علم النفس عدنان حب الله عن »المسلمون والغرب: عراقيل أمام الحوار«.
الخاتمة كانت احتفالية إلى حد ما، فقد اعتبر المنظمون اليساريون باسم الاشتراكية الأوروبية وبرلمانها أن الندوة قد نجحت إذ استقطبت مشاركة واسعة وفتحت الباب لحوار سياسي جاد »لفهم الدين الثاني في إيطاليا« وإزالة الغموض الغربي الواسع حول الإسلام والمسلمين.
ولعل مسؤول الخارجية في الحزب الديموقراطي اليساري (الشيوعي الجديد) رانياري قد حدد الهدف بدقة حين قال: لقد أردنا من الحوار أن نقدم إيطاليا لتكون جسرا حقيقيا بين امتداد إيطاليا الأوروبي وبين واقعها المتوسطي وجيرانها على الضفة الأخرى.
وكان من أبرز الوجوه الايطالية التي شاركت في مناقشات الندوة: رئيس تكتل الحزب الديموقراطي اليساري في البرلمان الأوروبي »لويجي كولاياني«، ومن برلمانيي الحزب باسكوالينا نابوليتانو، لوشانو فيكي ونائب وزير الخارجية ريند سيرمي ونائب وزير الخارجية للشؤون الأوروبية بيار فاسينو.
وجهة نظر الطلاينة، وكذلك دوافعهم من الندوة لخّصها رئيس مجلس النواب الايطالي لوشانو فيولنتيه، والذي لعب دورا مميزا عندما كان قاضيا في مكافحة المافيا، فقال: منذ سنوات عدة أصبح الاسلام الدين الثاني في إيطاليا مما يتطلب منا جميعا الإدراك الفوري بأن التعايش مع الإسلام يعني التعايش مع مفهوم متكامل للحياة حيث لا يمكن فصل الإيمان عن المسلك. علينا أن نبرز تسامحنا واحترامنا للآخرين لأن في ذلك تكمن ثورة المجتمع. في مجتمع ديموقراطي لا يمكن الحديث إلا عن العيش المشترك وقبول التنوع.. إذن فأمامنا واقع جديد يمثل امتدادنا الجديد، وعلينا أن ننجز أعمالاً ومهمات جديدة على مختلف المستويات، ثقافيا وسياسيا بشكل خاص لتحقيق التكامل الضروري والذي يمثل الثورة المعرفية الحقيقية لعالم أصبح صغيرا،
أضاف فيولينته: لا يوجد في إيطاليا إسلام واحد. هناك مسلمون في وضع قانوني ومسلمون يعيشون بالخفية عن السلطات، وهناك مسلمون حصلوا على الجنسية الإيطالية كما أن هناك مسيحيين قد أشهروا إسلامهم، وإيطاليا، خلافا للبلدان الأوروبية الأخرى تعيش تحت ضغط شديد من قبل المهاجرين من شمالي أفريقيا، والبلدان المطلة على البحر الأبيض المتوسط. ان الواقع الإسلامي الجديد في بلادنا يجب أن يدفع بنا لإدراك ما يحصل على الضفة الأخرى وأن نقوم كبلدان متطورة بمعالجته. هناك حوالى نصف المليون من المسلمين في إيطاليا، و120 مكان للصلاة. لقد نمت المنظمات الإسلامية واتسعت وهي تطالب بالاعتراف بها رسميا.
إن أول ما علينا القيام به هو التقييم الثقافي واعتبار هذه المهمة جزءا لا يتجزأ من الحياة الأوروبية. ونحن بصدد إعداد مرسوم حكومي لتنظيم الحقوق التي يجب أن يتمتع بها المهاجرون والمسلمون، بشكل خاص، والاعتراف رسميا بالجمعيات الإسلامية.. كذلك فإن البرلمان الايطالي يتّجه نحو تطوير العلاقات الثنائية مع المجالس النيابية في بلدان الضفة الأخرى للمتوسط.
أما مسؤول الخارجية في الحزب أمبرتو رانييري فقد ذهب الى أبعد من ذلك حين قال: لكي نفهم الإسلام علينا، أولا وقبل كل شيء، أن نزيل من نفوسنا القلق المسبق، وأن نحفر عميقا داخل دلالات الأحداث وألا نقلّص العالم الاسلامي المتشعّب والغني أو نختزله في ظاهرة عنف يقوم بها بعض المتطرفين هنا أو هناك. علينا أن نفهم المسلمين في بلدنا لنفهم الدوافع التي حدت بهم الى الهجرة بحثا عن حياة أفضل. علينا أن نعمل من أجل دعم جنوب العالم الذي يعاني من آلام شتى، والتنمية هي الهدف الأول من مثل هذا التقارب.
أضاف رانييري: لا أعتقد أن الإسلام ينظر إلى الغرب كعدو له، ولا ينظر الغرب إلى الإسلام كعدو جديد بعد سقوط الشيوعية. في مجتمع غربي تسوده مبادئ المشاركة الديموقراطية يجب أن يكون للإسلام مكان فيه. إن المشكلة تكمن في إلغاء الغير، وأن الاسلام سيثري ولا بد مجتمعنا الذي يرتبط أكثر فأكثر ويوميا بالتطورات التي تشهدها الأقطار المجاورة.
وختم رانييري بالقول: ان نفهم الإسلام يعني أن على أوروبا انتهاج سياسة فعالة تجاه العالم العربي، مبنية على التفاهم والتعاون المشترك والمساهمة في حل المشكلات العالقة ولا سيما مشكلة الشرق الأوسط وإعطاء الفلسطينيين دولتهم في وطنهم.
* * *
في واقع الأمر كان للندوة مستويان: ثقافي أكاديمي وإيديولوجي الى حد ما، وهو ما اندرجت ضمنه مداخلات الضيوف، ومستوى سياسي عملي مباشر جسّدته كلمات المنظّمين والمشاركين الطليان.
العقيدة كمدخل لفهم الحاضر، لا مجال للتبشير، والتاريخ مَعْلَم كبير يؤكد على ضرورة التعاون بين الشعوب التي تتقاسم ضفتي المتوسط، والتي طالما تواجهت بالسلاح، قبل الأديان، ثم في ظل شعاراتها المقدسة، عبره..
المصالح تتقدم على الأديان.. لكن لا بد من الفهم، لا بد من معرفة الآخر، بكل تفاصيل حياته، بكل مكوناته الثقافية والفكرية ليسهل من بعد نسج السياسة الملائمة للتعامل معه.
ولقد سمع الطليان محاضرات جيدة عن الاسلام والمسلمين والحركات الإسلامية والعلاقة بين الغرب الرأسمالي (المتوحش) والعمليات الارهابية التي تتلطى تحت شعارات إسلامية.
كذلك سمع المحاضرون العرب »اعترافات صريحة« من محاوريهم الأوروبيين عن مسؤولية الغرب عن هذا النزوع إلى العنف طلبا للتحرر الذي صدر ويصدر عن بعض الحركات الحاملة رايات الإسلام.
انها بداية لحوار لعله تأخر عن موعده كثيرا مع الغرب،
… لكن المؤسف أنه ما زال يعطل وبالأمر حيث يجب أن يدور وأن يخرج الى الشمس وأن ينقل أهله العرب والمسلمين الى حيث يليق بهم كشعوب وأمم وما يحمي جوهر دينهم الحنيف.
ويبقى أن نشير الى الدور الحيوي الذي لعبته تلك النخبة من »عرب إيطاليا« التي تتلاقى في أفياء جمعية الصداقة، والتي تصدر مجلة بهذا الاسم يتولى تحريرها وإنتاجها وتوزيعها وتوسيع دائرة انتشارها واستقطاب الأصدقاء لها ولإيطاليا زميلنا طلال خريس.
فبعض النجاح لهؤلاء الجنود المجهولين الذين يعملون بكد من أجل صداقة حقيقية، ونأمل أن تكون الندوة قد عززت مكانتهم وقدراتهم في إنجاز الأكثر.

Exit mobile version