طلال سلمان

عن قمم الرياض الاميركية بالعنوان الفلسطيني؟

ها هو التاريخ يعيد نفسه، لو بصورة كاريكاتورية، وعبر طبعة جديدة ومنقحة عما حاول الغرب فرضه على هذه المنطقة من احلاف سياسية عسكرية (حلف الشرق الاوسط الكبير، ثم حلف بغداد، ومشروع الدفاع المشترك، ثم مشروع ايزنهاور..)

الجديد في الأمر أن الدول التي كانت دائماً في موقع “التابع” تتوهم انها قد باتت في موقع قيادي يُسمح لها أن تبادر وان تقرر وان تحسم.. في حين انها “دار ضيافة” فحسب وضيف الشرف والمقرر يعاني الازمات في بلاده لأنه ناقص الاهلية، وثرثار ومتردد وجبان في المواجهة… الا في تغريدات الفجر.

ها هي قمة الرياض العربية ـ الاسلامية ـ الدولية تمثل تجديداً للتحالف المستحيل بين اقوى دولة في الكون وأضعف الدول في آسيا (خصوصاً) وبعض افريقيا، حتى لو كان بينها دول غنية بثروة لا يد لها فيها، كالنفط، او بموقع لم تختره كما بعض دول افريقيا العربية او الاسلامية.

وكما كانت اسرائيل طرفاً ضمنياً في تلك الاحلاف القديمة فهي “اميركية” أكثر من الدول العربية الحليفة لأميركا، جميعها، وهي هي او بسببها تم تبديل اسم هذه الارض من العالم فصارت “الشرق الاوسط” بدل أن تكون “الوطن العربي” او “الامة العربية” او حتى “البلاد العربية”.

وإسرائيل هي الآن طرف ظاهر وفاعل في “التجمع الجديد” الذي اراد الرئيس الاميركي دونالد ترامب تسويقه انطلاقاً من السعودية وبتمويل خليجي معلن من شأنه أن يُغري بعض الدول الاسلامية الفقيرة بالانضواء فيه طلباً لعطاياه وصدقاته، ولو على شكل قروض ميسرة وطويلة الاجل..

القيادة أميركية، بطبيعة الحال، والتمويل سعودي خليجي بطبيعة الحال، اما المطلوبون للانضواء فيه فدول فقيرة في بعض انحاء اسيا وافريقيا، تحتاج حماية سياسية (من شعوبها، بعد زوال الخطر الشيوعي) وبالدولار، لشراء السلاح الضروري للحماية من الولايات المتحدة الاميركية، لحماية حكمها في الداخل.

على أن للحرب الجديدة جانباً فكرياً مهما، لمواجهة الاسلام المتطرف والبدع الاسلامية التي استولدتها إيران الخميني بثورتها التي تزعم انها اسلامية وما هي من الدين الحنيف في شيء ولا تمت اليه بقرابة.

وهكذا فان الرياض تأخذ الجانب الفكري على عاتقها باعتبار أن ارض المملكة المذهبة كانت مهبط الوحي وفيها دار النبوة وبيوت الصحابة (التي أزيلت اثارها تماماً) وبالتالي فهي الارض المقدسة، ولا مجال للطعن في صحة ما يصدر فيها وعنها.. بغض النظر عن أن أهل الحكم فيها أشباه أميين، يعتمدون على المترجمين لفهم ما يقال لهم، ويجيبون على المترجم من دون أن يلتفتوا إلى محدثهم فلا يدرك انه المعني بما يقال.

طبعاً لا بد من شيء من التمويه وكثير من الاغراءات.. لهذا تحتل العناوين الاقتصادية، والنمو الاقتصادي بالذات، الصدارة في مشروع “الشراكة الاستراتيجية الاميركية ـ الاسلامية”.

(وهل أصدق من الشراكة، مثلاً، بين اليمن، او جيبوتي، او اندونيسيا، او ليبيا، او تشاد، او نيجيريا، والولايات المتحدة الاميركية؟).

ثم أن التحالف الجديد يمثل “خطوات جريئة لتعزيز السلام”..

وهنا بيت القصيد: أي سلام هو المطلوب؟ وبين من ومن، وما هي اهدافه؟!

أتراه السلام في سوريا؟ في العراق؟ ام في اليمن الجريح؟.

ام في فلسطين التي تنزف ارضها وأهلها وتاريخها منذ اكثر من سبعين عاماً، عدا سنوات النضال ـ في الارض وبها ـ ضد الانتداب البريطاني والوافدين من العصابات الصهيونية التي مكن لها وحماها وأعانها على أهل الارض؟

*****

إن هذا المؤتمر الدولي الخطير الذي يجمع في أفيائه عشرات الدول، غنيها والفقير، مع امبراطور الكون في صورته الجديدة، الكاريكاتورية برغبته والهزلية برغم موقعه السامي، والذي تزينه شعارات الاسلام، وبهدف مقاومة الارهاب، وبين عناوينه الفاضحة “داعش”..

إن هذا المؤتمر قد تأخر انعقاده حتى تم النصر ـ او كاد ـ على “داعش” في العراق بل وفي بلاد الشام عامة، بدماء اهلها، جنداً ومدنيين، ثابتين في أرضهم ومهجرين مشردين في بلادهم..

وغني عن البيان أن “داعش” ما كانت لتتمكن من الوصول إلى الموصل وانحاء أخرى في شمال العراق، فضلاً عن مناطق في الشرق السوري خصوصاً ومعه بعض الشمال، لولا الرعاية التركية المباشرة واجراءات تسهيل الحركة بطوابير السيارات اليابانية الآتية من مصانع داتسون اليابانية والتي عبرت الحدود التركية تحت انظار الجيش التركي والطيران الاميركي مالئ الآفاق (بطيارين ومن دونهم).

غني عن البيان أيضاً أن دول الخليج عامة، والسعودية خاصة، قد امتنعت (أو مُنعت؟) من القتال ضد “داعش”.. بل هي اندفعت تقاتل من موقع الحليف لهذا التنظيم الارهابي ضد سوريا، وتحاول اضعاف العراق بتصوير المعركة مع “داعش” وكأنها ضد السنة ولخدمة ايران. فضلاً عن أنها قد شنت حرب إبادة ظالمة وغير مبررة ضد “أشقائها” في اليمن، تدخل الآن سنتها الثانية، معززة بالكوليرا التي تفتك بأطفال اليمنيين ورجالهم والنساء، إضافة إلى تدمير المدن والقرى ومعالم الحضارة.

لماذا لم تبادر السعودية، مثلاً، ومعها دول الخليج، وسائر من يواليها من أهل الانظمة العربية، إلى اعلان الحرب على “داعش” من قبل، بينما وجدت الشجاعة لإعلان الحرب على ايران، مثلاً، وقاتلت ضد النظام السوري، وقاطعت العراق لفترة طويلة.. بل انها كادت تقاطع لبنان، وحتى اليوم فان سفارتها في لبنان في عهدة قائم بالأعمال، بعد سحب السفير، فجأة ومن دون سابق انذار او تبليغ رسمي… حتى أن السفير السابق لم يتمكن من القيام بواجب الزيارات الوداعية.

*****

هل هي عودة إلى الاحلاف الاجنبية (حلف بغداد، الدفاع المشترك، مشروع ايزنهاور الخ..) ام انه التمهيد الحقيقي لمشروع “ادماج” دولة العدو الاسرائيلي في المنطقة العربية، تحت راية الاسلام، وبرعاية الولايات المتحدة الاميركية..

فمن الملاحظ أن التصريحات والبيانات الرسمية والتبريرات والاجتهادات في تفسير هذه القمة الاستثنائية والمفاجئة إلى حد المباغتة، والتي تحمل “الرقم واحد” في اسفار الرئيس الاميركي، لم تشر من قريب او بعيد إلى فلسطين، وما يعانيه اهلها من تقتيل وتشريد في ظل الاحتلال الاسرائيلي.. وبالتالي فكل ما أغفلته تصريحات ترامب لا يتجاوز تجاهله لمطلب اسرائيل باعتماد القدس عاصمة ابدية للكيان الصهيوني.

إن مثل هذ المهمة الاسرائيلية (النبيلة) تستحق أن تستضيف المملكة العربية السعودية ـ دار الاسلام ـ ثلاثة مؤتمرات في يوم ونصف اليوم تحت رعاية الرئيس الاميركي دونالد ترامب، وان يرفع حظر السفر عن رؤساء كانوا ممنوعين من التجول بالطائرة (الرئيس السوداني مثالاً)..

إن هذه المؤتمرات الثلاثة لا تعني الا التمهيد للصلح مع العدو الإسرائيلي.

ولعلها اجمل تحية يمكن توجيهها إلى الاسرى الفلسطينيين في السجون الاسرائيلية لمناسبة تجاوز صيامهم عن الطعام (وبعضهم عن الشرب ايضاً) الشهر..

… خصوصاً وان المحور الاساس لهذه القمة الاستثنائية يتمركز حول القضية الفلسطينية، ومشروع الدويلة المبتدعة فيها تحت الرعاية الاسرائيلية، بمباركة عربية ـ اسلامية تؤيدها وتدعمها الولايات المتحدة الاميركية بقيادة رسول الايمان دونالد ترامب ووكيله المحلي نتنياهو..

ومثل هذه الاهداف السامية تستحق ثلاث قمم عربية دولية في يوم ونصف اليوم، في الارض المباركة.. خصوصاً وان الاديان السماوية جميعا تدعو إلى السلام، ولا بد من أن نلبي النداء!

ومن حق المملكة المذهبة أن تتباهى الآن بأن ولي ولي العهد فيها، والذي بالكاد قد بلغ الثلاثين من عمره قد ابتدع الحل المستحيل لأعقد مسألة وأعظم قضية في التاريخ الانساني وهي قضية الاحتلال الاسرائيلي لفلسطين وتشريد شعبها وشطب دور العرب من التاريخ.

Exit mobile version