طلال سلمان

عن “قرن” ترامب وتداعياته عربياً: الهيمنة الأميركية تتوسع.. وروسيا والصين “في الدفاع”!

أنظمة النفط والغاز محمية بحماة ثرواتها التي تعطيهم أكثر ما تعطي أصحابها.

وبالمصادفة التاريخية والجغرافية معاً فهي تقع في أقصى جنوب شبه جزيرة العرب.

واسرائيل محمية بعلة وجودها كقوة فصل بين المشرق والمغرب العربي، فضلاً عن دورها في إنهاك الدول العربية جميعاً، واستحضار الاستعمار الجديد الذي أنشاها ورعاها حتى باتت أقوى، نسبياً، من مجموع الدول العربية، مشرقاً ومغرباً.. آخذاً في الاعتبار أن دول النفط لا تقاتل ولا هي تدفع كلفة الحرب.

وشهير هو موقف الرئيس جمال عبد الناصر في قمة الرباط حين قدم كشفاً بما خسرته مصر في حرب 5 حزيران 1967، طالباً تعويضه بمبلغ لا يتجاوز التسعين مليون جنيه استرليني.. وكان الملك فيصل بن عبد العزيز يستمع وهو “ينتف” صوف عباءته، فقال معقباً: هذا كثير يا أخ جمال..

فما كان من عبد الناصر إلا أن رمى الملف في وجه الملك فيصل وخرج متعجلاً حتى بلغ باب مقر القمة، في حين اندفع العقيد معمر القذافي، الذي كانت تلك القمة أول مناسبة للقاء الملوك والرؤساء، يهز الملك فيصل بن عبد العزيز من كتفيه وهو يقول: هو يقدم الدم، وانتم لا تقدمون مئات الملايين من الدولارات وثرواتكم التي كان عبد الناصر يحاول حمايتها بالمليارات.

ثم اندفع القذافي إلى حيث جمال عبد الناصر، أمام مقر القمة، ينتظر وصول سيارته، وحين وصلت رفع القذافي يده بالتحية العسكرية، ثم فتح باب السيارة لكي يصعد اليها “الريس” وهو يقول: ولا يهمك يا ريس.. كل مال ليبيا ونفطها تحت امرك!

يتصل بذلك، والحديث ذكريات، أن القيادة في مصر تمكنت من كشف مؤامرة اميركية لاغتيال الرئيس عبد الناصر، ولقد استخدم المال الذي كان مقرراً لها، بأمر من الرئيس، في بناء “برج الجزيرة” حتى لا ينسى أحد أفضال القيادة الأميركية على العرب..

واشنطن وصدام

وفي الماضي الأقرب فان الولايات المتحدة الأميركية هي التي حرضت الرئيس العراقي صدام حسين على غزو إيران بعد الثورة الاسلامية فيها، وهي حرب استمرت لسبع سنوات، وتقدمت القوات العراقية داخل ايران حتى وافقت على “تجرع سم الهزيمة” كما قال الإمام الخميني وهو يقبل كارها شروط صدام..

.. ولأن الغرور قاتل، فقد أقدم صدام حسين بعدها بسنوات معدودة على غزو الكويت، لكن الأمر كان مختلفاً جداً هنا، اذ أقام الأميركيون حلفاً عسكرياً لإخراج الجيش العراقي من الكويت وملاحقته داخل العراق حتى احتلال بعض أراضيه..

…وهو الاحتلال الذي سيكتمل بتقدم الأميركيين حتى بغداد (2003) والقبض على صدام حسين وتسليمه إلى “الشيعة” قصداً، ليكون فتنة، خصوصاً وان “خطبة” صدام قبيل شنقه كانت بمثابة “خطاب قومي” عظيم البلاغة!

الأميركان في كل مكان..

ما لنا والماضي، لنتأمل الخريطة العربية الآن:

1 ـ أن قوات عسكرية أميركية تتواجد فوق أرض العديد من البلاد العربية ـ لا سيما في الجزيرة والخليج.. كما يشارك طيران الحرب في الغارات على اليمن، مع القوات السعودية والإماراتية، بذريعة منع إيران، عن طريق الحوثيين، من السيطرة على اليمن جميعاً، وتهديد منابع النفط في شبه الجزيرة العربية..

2 ـ كذلك فثمة وجود دائم لقوات أميركية في العراق، بدءاً من شماله إلى جنوبه عند تقاطع الحدود العراقية ـ السورية.

3 ـ وثمة قوات عسكرية أميركية داخل الشرق السوري، وهي تردف القوات التركية التي تحتل بعض الشمال السورية بعنوان إدلب ومحيطها..

4 ـ كذلك فإن القاعدة الجوية “حالات اللبنانية” تحت تصرف القوات العسكرية الأميركية متى دعت الضرورة.

5 ـ أما مع مصر فثمة اتفاقات ومعاهدات عديدة وقعت تحت عنوان “تبادل الدعم بين الدولتين الصديقتين”، متى دعت الحاجة.

واشنطن وتل أبيب معاً..

.. ومفهوم أن علاقات الولايات المتحدة مع كل من تونس والمغرب على أتم ما يرام… ولولا الوضع الاستثنائي الذي تختلط فيه الحرب الأهلية مع الجهوية ومع صراع الدول على ليبيا التي يحمي النفط الغزير فيها كيانها السياسي حتى الساعة لعادت ليبيا ثلاث ولايات، كما كانت قبل الخمسينات، تتقاسمها ايطاليا (الشرق والغرب) والجنوب (للفرنسيين) وطبرق وجوارها المصري (للبريطانيين..).

يبقى الكيان الاسرائيلي الذي يمكن اعتباره، ببساطة، أخطر وأقوى قاعدة عسكرية أميركية خارج الولايات المتحدة في العالم. فواشنطن وتل أبيب شريكتان ضد العرب عموماً، تستوي في ذلك مصر ودول شمالي افريقيا، أو الأردن وأقطار شبه الجزيرة والخليج عموماً، في حين يكاد ينحصر “العداء” بلبنان (مع التجاوز وتسبب وجود “حزب الله” فيه) وسوريا.

هذا على الصعيد العسكري، أما على الصعيد الاقتصادي فالدول العربية، بمجملها، شأن الدول الأخرى في العالم. يتحكم الدولار بمقدراتها، استيراداً وتصديراً، وقروضاً و”هبات” أو مساعدات مشروطة..

مطاردة لبنان عبر “حزب الله”..

للدلالة على شمول الهيمنة الأميركية مختلف مرافق الحياة في هذا الوطن العربي السعيد نشير إلى أن الادارة الأميركية تطارد “حزب الله” اللبناني في العالم أجمع..

وهذا قد يكون مفهوماً في السياسة وان كان غير مقبول. أما أن تطارد المخابرات الأميركية المهاجرين اللبنانيين في مغترباتهم وأرزاقهم، وأن تفرض على الدولة اللبنانية رقابة قاسية على المصرف المركزي “خوفاً” من تحويل المغتربين بعض الأموال إلى ذويهم في الداخل، فهذا يتجاوز الأصول والقوانين والأعراف المعتمدة في سائر انحاء العالم.

أما أن يمنع طالب ذاهب إلى الدراسة في بعض الجامعات الأميركية بذريعة أن خال خاله أو عم عمة زوجته “مشبوه” بالانتماء إلى “حزب الله” فهذا أمر غير مقبول. ولكنه شرط لا مجال لرفضه أو التحايل عليه.

أن الولايات المتحدة الأميركية ـ لا سيما في ظل ترامب ـ و”مشروع قرنه” تسعى جاهدة للهيمنة على العالم كله: تضعف الاتحاد الأوروبي وتعمل على تفكيكه (بريطانيا نموذجا)، وتحاول جاهدة الفصل بين روسيا والصين فضلاً عن سعيها لإضعافهما معاً..

أن دونالد ترامب يطمح لأن يكون قيصر روما وامبراطور الشرق (الأدنى والأقصى)، خليفة المسلمين وبابا المسيحيين والحاخام الأكبر لليهود.

انه لا يخجل من المجاهرة بعدائه للعالم أجمع، وسعيه للسيطرة على جهاته الأربع جميعاً.. فدخل النفط (العربي) عنده…، وكذلك الغاز (العربي)، وقواعد عسكره فيكل مكان..

ثم أن الدولار يعلي من يشاء ويخفض مكانة من يشاء..

تنشر بالتزامن مع جريدة “الشروق” المصرية

Exit mobile version