طلال سلمان

عن “صفقة القرن”: “هنا صلى عمر…”

تماماً، كما اقدمت الولايات المتحدة الاميركية ومعها الاتحاد السوفياتي (آنذاك) على الاعتراف بـ”دولة اسرائيل”، على ارض فلسطين العربية، ها هو المضارب في البورصة ـ رئيس الولايات المتحدة دونالد ترامب. يقف محاطاً ببنيامين نتنياهو، رئيس الحكومة الاسرائيلية، والى جانبه زعيم المعارضة في الكنيست، ليعلن “صفقة القرن”!

هي لحظة ما قبل اكتمال “صفقة القرن” بشطب فلسطين، عن الخريطة وإنزال شعبها إلى الانفاق، إذا ما اراد أي فرد منه أن يتنقل بين القرى المتبقية له من ارضه التي كانت ارضه بامتداد التاريخ.

في الصف الاول للحضور ممثلون لثلاث “دول” عربية لم يكن لانثتين منها ذكر في التاريخ: “دولة” الامارات العربية المتحدة، والبحرين وسلطنة عُمان (التي كانت، ذات يوم، امبراطورية حدودها في اندونيسيا)… ومن حولهم حشد من الدبلوماسيين، ووزير الخارجية الاميركي يرسم على وجهه ابتسامة عريضة وهو يستمع إلى صانع الدولة الاخرى يقرر مصائرها.

“قررت أن اتقدم برؤية للسلام مختلفة تماما عما سبقها: رؤيتي تتضمن دولتين تعيشان بسلام: اولاهما تحتل ارض فلسطين كاملة (ومعها الاغوار) والثانية ارض بقرى كثيرة، جديدة في بابها، اذ تقع تحت الارض والتنقل بين مناطقها وقراها ومدنها عبر الانفاق.. وغزة بعيدة حتى لا ترى، مع بناء بلدتين اضافيتين على حدود صحراء سيناء المصرية.. مع تعهد “سنعمل من اجل اراضٍ متواصلة للفلسطينيين”.

وتعهد آخر: “القدس ستبقى عاصمة اسرائيل غير المقسمة..”

“لن نسمح بالعودة إلى ايام الارهاب.

“لن نطلب من اسرائيل أن تفرط بأمنها ابداً.

“نقلت سفارتنا إلى القدس.. واعترفت بالجولان!

“عليّ أن اقوم بالكثير من اجل الفلسطينيين لكي يصلوا، بفرصة تاريخية إلى دولة مستقلة لهم”.

“لقد عاونني وزير خارجيتنا العظيم بومبيو.

“اعطينا اراضي كثيرة للفلسطينيين.. بل أكثر مما كنا نقدر.

“سيسمح للمسلمين بالذهاب ـ بحرية ـ إلى المسجد الاقصى للصلاة فيه. فالقدس الشرقية عاصمة لهم..

“سننشئ سفارة اميركية في القدس الشرقية..

“ستتوفر للفلسطينيين فرص عمل..وهم ذوو كفاءة مميزة..

“سنساعدهم ليتمتعوا بالكرامة والاعتماد على الذات.

“لمحمود عباس اقول: اذا وافقت سندعمك وسنكون معك في كل خطوة..

“هذه الصفقة ستبصر النور..والشرق الاوسط سيتغير كثيراً..

“شباب المنطقة يعوزهم الامل من اجل مستقبل أفضل!

“القدس مدينة مفتوحة.. وقد آن الآوان لكي يصحو العالم الاسلامي فيصحح غلطته التاريخية بعدم الاعتراف بإسرائيل..

“تحالفنا مع اسرائيل لم يكن اقوى مما هو الآن.

“في الحياة التجارية واجهت صفقات اصعب من هذه”.

…أما خطاب رئيس الحكومة الاسرائيلية بنيامين نتنياهو فقد تضمن بعض “المقولات الخالدة” ومنها:
“انتهز هذه الفرصة لتغيير التاريخ.. اذا لم يكن الآن فمتى.. وان لم نكن نحن فمن؟

“الاراضي الفلسطينية سترتبط ببعضها بالجسور والانفاق.

“دولة مستقبلية.. ربما ستأخذ وقتاً طويلاً. شرط أن يريدوا السلام مع اسرائيل..

“سنبقي الوضع الراهن لأربع سنوات (مع ضم الاغوار في الاردن إلى اسرائيل)


ملاحظات:

في اليوم الاول توجت الصحف العربية صفحاتها الأولى بهذا “النصر التاريخي”
في اليوم التالي صارت اخبار صفقة القرن في النصف الاسفل من الصفحة الأولى
في اليوم الثالث صارت اخبار صفقة القرن في الصفحات الداخلية: بين الرياضة والكلمات المتقاطعة!

يا أمة ضحكت من جهلها الامم..

كيف السبيل إلى الاعتذار من الخليفة العادل عمر بن الخطاب الذي رفض أن يصلي في كنيسة القيامة، حين اتم فتح القدس، حتى لا تؤخذ المدينة غصبا، بعد ذلك، بذريعة هنا صلى عمر؟!

اسرائيل.. واغوار الفتح

في منتصف شباط 1969 ذهبت موفداً من دار الصياد لإجراء لقاء مع قيادات حركة الثورة الفلسطينية التي كانت، بعد، في العاصمة الاردنية عمان.

ذات ليلة سمعنا اصداء اطلاق نار في الشوارع، وصرخات غضب، وتأوهات.. كان الثلج يغمر الشوارع ورقعه تتساقط بصمت مهيب والطرقات خالية، وان كنا نلمح احيانا بعض “الاشباح” تتنقل صارخة بين شارع وآخر.

جاء اليَّ مرافق صديق بالخبر اليقين: لقد تم الانشقاق داخل الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، وها هم “الماركسيون” بقيادة نايف حواتمة يعلنون “استقلالهم” في “الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين”.

في الصباح ذهبت ابحث عن “الحكيم” جورج حبش، فقيل لي، بعد الحاح، انه في الاغوار.. أما نايف حواتمة فقيل لي: قد تجده في الزرقا..

وجدت من يحملني من عمان إلى بلدة السلط ذات المغارة الشهيرة التي استخدمها القائد الفلسطيني الراحل ياسر عرفات مقراً لقيادته قبل الانتقال مع بعض قواته إلى عمان..

بعد السلط كان على السيارة “أن تهوي” بنا نحو “الاغوار” التي تنخفض عن سطح البحر بنحو ثلاثمائة متر.. وكانت المفاجأة في البساتين والمساحات الخضراء.. اما نهر الاردن فكان في الاسفل، يكمل طريقه نحو بحيرة طبريا..

التقينا الدكتور جورج حبش إلى مائدة غداء اقامها بعض البدو من اهالي الاغوار مضحين بخروفين، ترحيبا.
في اليم التالي صحبني بعض “الرفاق” في رحلة التفرج على تلك البقعة الخضراء تحت مستوى البحر.

لفت نظري “مقام” فسألت: من هو هذا “المهيب” المدفون هنا؟

قال الدليل المرجع: أن الاغوار تحتضن قبور عدد من الصحابة الذين كانوا في عداد جيش الفتح ممن سقطوا خلال حصار دمشق قبل فتحها، بينهم ابو عبيدة الجراح وآخرون من قادة الحملة وضباطها.


ها هي اسرائيل تطالب بل وتسعى وتكاد تنجح في ضم الاغوار إلى “دولتها” التي اقامتها بالقوة وتريد توسيع مساحتها برفاة قادة الفتح!

Exit mobile version