طلال سلمان

عن سنجار والازيديين.. واسطورة عبادة الشيطان!

عادت منطقة “سنجار” الواقعة في شمال شرق العراق، غير بعيد عن الحدود السورية، والتي تسكنها الطائفة اليزيدية التي تُتهم بأنها “تعبد الشيطان” وهي اكثر المجموعات الشعبية سلمية بين العراقيين… عادت إلى الضوء في ظل ما نشر عن المذابح التي ارتكبتها عصابات “داعش” فيها.

قبل سنوات طويلة، أي قبل تدمير العراق عبر الحرب التي خاضها صدام حسين ضد إيران، بداية، والتي استمرت سبع سنوات طويلة.

..وقبل “غزوة الكويت” في اوائل التسعينات والتي استدعت “التدخل العربي” تحت القيادة الاميركية وانتهت باحتلال القوات الاميركة جنوب العراق، مهددة بغداد.

وبعد الحرب الاميركية على العراق في بدايات العام 2003 والتي انتهت باحتلال بغداد وسائر انحاء ارض الرافدين، وتسليم صدام حسين إلى شيعة العراق لإشعال فتنة تجرف العراقيين عن مواجهة الاحتلال الاميركي..

..قبل هذا كله، وخلال جولة في العراق شملت انحاءه كافة، شمالاً وجنوباً ووسطاً. كانت لنا ـ أي لمجموعة الصحافيين الذين كانوا يزورون العراق في تموز 1970 ـ محطة في سنجار ولقاءات مع “المرجع الروحي” لطائفة اليزيديين الذي ارخى لحيته على مداها، لكنه حين يزور بغداد يحجبها بقيمصه وقنطانه..

جلسنا إلى الرجل اللطيف والودود نسأله، بعدما التزمنا واحدة من القواعد المعمول بها لدى هذا المذهب المسالم، وهي “أن تجوز العتبة ولا تدوسها”.. وكان ذلك في المعبد المشابه للكنيسة او المسجد..

طفقت مجموعة الصحافيين، وفيها عرب واجانب، تسأل والدهشة تغمرها لاكتشافها هذه الطائفة قليلة العدد والمتمسكة بتقاليدها العريقة..

هنا “جدول” بالأسئلة والاجوبة:

ـ كم عمر مذهبكم او دينكم، إذا كنتم ترونه دينا؟

ـ هل له صلة بيزيد بن معاوية..

سألنا: وكيف ذلك؟

قال مع ابتسامة قصيرة: حتى انتم تقرون بوجود “الهين”، واحداً ترونه اله الخير، والآخر اله الشر. ولكن القرآن الكريم بالذات قد تحدث عن ذلك “الآخر” باحترام وجعله نداً لأله الخير. بل انه كثيراً ما اعترض على بعض القرارات، مثل السجود لآدم. قائلاً لله سبحانه وتعالى: وكيف اسجد له وقد خلقته من طين في حين انك خلقتني من نار؟!

خارج هذا اللقاء الرسمي، ومن خلال روايات العراقيين يمكن اضافة المعلومات المتداولة عن هذا الدين الذي تعتبره العامة “دين الشيطان”، وان هي سلمت بوجود هذه الطائفة المسالمة والتي تجهد لعدم ارتكاب اية خطيئة او خطأ تجاه الآخرين:

1 ـ انهم لا يأكلون الخس… فهم يعتقدون، او يُروى عنه اعتقادهم، بان الله جل جلاله غضب مرة من الشيطان فصرخ به، فهرب منه طالبا الاحتماء من غضبة.. فدخل في خسة في بعض “الحديقة”، فلما سمعت الخسة صوت الله الغاضب فتحت اوراقها فكشفته.. فمضى منه هاربا فوجد في بستان الجنة “طاووس” فدخل فيه، فنشر الطاووس ذيله وغطاه. لذلك فهم يحتفظون في مكان سري وآمن بتمثال ضخم للطاووس هو عبارة عن مجموعة هائلة من الجواهر، ذهباً ولؤلؤاً ومرجانا الخ… لا يخرجونه من “مخبئه” الا مرة واحدة في السنة، في عيد “بداية الخليقة” ثم يعيدونه إلى المخبأ الآمن حتى العام المقبل.

…لكن هذا السلوك السلمي، وتحاشي الاشتباك مع الآخر، لم يشفع للازيديين عند “داعش” التي اجتاحت جحافلها العراق ذات يوم، فعاملوهم وكأنهم كفرة، وهكذا استباحوا ديارهم واغتصبوا نساءهم، وشردوا رجالهم ودمروا العمران في سنجار وسائر اماكن انتشارهم، بل وطاردوهم عبر الحدود إلى سوريا في حرب ابادة بوصفهم من الكفار.

..وهكذا تحققت المساواة بين الضحايا من المؤمنين، بغض النظر عن التسمية الظالمة التي تطلق على الأزيديين بانهم من عبدة الشيطان، ولعل الأرحم أن نعتبرهم من اتباع الاله الاخر الذي واجه الله.. لأنه رفض أن يسجد “لآدم” الذي خلقته من طين بينما خلقتني من نار.. وكدت تعتبرني رديفك!

Exit mobile version