طلال سلمان

عن حلم عربي اسمه: جمال عبد الناصر…

انقضى زمن الاحلام.. وها نحن نهرب من كابوس ليتلقانا كابوس آخر، ولا فرص للتنفيس: يستعصي علينا النسيان، ويصعب قبول الواقع، فنبقى معلقين في فضاء الاستحالة في انتظار زمن يكون لنا ونكون فيه ومن صنَّاعه، بأيدينا وعقولنا وجهودنا المبعثرة والمضيعة في العبث والخيبات وكوابيس اليأس.

ربما لأنني من الجيل الذي امتلأ بالأمل والعزم على محاولة تحقيق احلامي وجدت في جمال عبد الناصر القائد والمثال، حامل هموم الأمة، المناضل ضد الضعف وضد اليأس، العائد من فلسطين بجراح الهزيمة، مغدوراً برصاص بندقيته وبخيانة قيادته وبنظامه الملكي الذي اراد أن يكون “فرعونها” في زمن صار فيه الفراعنة تماثيل في بعض متاحف الدنيا.

كنا فتية نعيش احلاماً بهية في محاولة لتعويض الابطال.

كانت بلادنا محتلة بالكامل: في مصر بريطانيا العظمى وحكم الفساد الملكي، وفي سوريا تتوالى الانقلابات العسكرية نتيجة الصراع على النفط في الجزيرة والخليج ومصافيه على شواطئ لبنان وسوريا، حيث تأتي الحاملات الضخمة لتنقله إلى بلاد الغرب بكلفة تزيد عن ثمنه في بلد المنبع.. أما لبنان فكان يشهد، ولأول مرة في تاريخه، خلع اول رئيس لدولة الاستقلال لأسباب عديدة، أخطرها هيمنة أخيه “السلطان سليم” على قراره، ثم ارتكابه خطيئة تزوير الانتخابات ليتمكن من التجديد.. بحيث يغدو ملكاً او ما شابه.

بالمقابل كان البريطانيون قد اخترعوا امارة شرقي الاردن ليولوا عليها الامير عبدالله ابن الشريف حسين، مطلق الرصاصة الأولى (والأخيرة) لإعلان “الثورة العربية” بناء لطلب بريطانيا العظمى…

..وحين رفضت دمشق الامير فيصل، شقيق الامير عبدالله ، ملكا عليها اخذه البريطانيون إلى العراق فنصبوه ملكا هاشميا على ارض الرافدين ممهدين لفتنة بين الشيعة والسنة، ربما حجبها النسب الملتبس للهاشميين.

*****

بدءاً من العشرينات، وفي اعقاب الحرب العالمية الأولى، تكشفت مخططات الحركة الصهيونية للسيطرة على فلسطين (تحت الرعاية البريطانية) وإقامة دولتها القوية باسم :اسرائيل..

كانت هذه الحركة ممثلة بأبرز قادتها قد “طلبت” فلسطين من السلطان عبد الحميد، في الاستانة (اسطنبول)، فرد عليهم بمقولة شهيرة: لتقطع يدي أن انا فرطت بفلسطين..

ولسوف تنظم الحركة الصهيونية حرب عصابات ضد أهل فلسطين ( شتيرن والهاغاناه)، الذين استنجدوا باهلهم العرب فهبوا لنجدتها- كمتطوعين بما ملكوا من سلاح … وهكذا راجت تجارة السلاح الفاسد..

ومن المفارقات الملفتة أن القوات (الملكية) التي دفعت إلى فلسطين آنذاك، والتي كان بعض قياداتها البطل احمد عبد العزيز وكان معه النقيب جمال عبد الناصر، كان افرادها يوجهون سلاحهم إلى العدو الاسرائيلي امامهم ويغمضون عيونهم ويبعدون السلاح عن عيونهم وهم يهتفون: يا رب تيجي في عينو!

..وعندما عاد جمال عبد الناصر ورفاقه مهزومين في ميدان مواجهة العصابات الصهيونية التي كانت تشرع في بناء دولتها “اسرائيل” كانت فكرة “الثورة” قد اختمرت في وجدانه… وهكذا اندفع يجري الاتصالات مع بعض القوى السياسية التي توسم فيها الخير، بينما انهمك- في الجانب الآخر- في بناء تنظيم عسكري اعداداً للثورة.

***** 

فجر يوم 23 يوليو ( تموز) تحركت قطعات من الجيش المصري لخلع الملك، وكان جمال عبد الناصر قد اختار اللواء محمد نجيب ليكون القائد الرمزي للثورة، احتراما لرتبته ومداراة لعدم اعتراض العسكريين على رتبة البكباشي – أي العقيد- التي يحملها.

نجحت “الحركة” وتم خلع الملك فاروق، وتم تسفيره على يخته الخاص إلى حيث اختار منفاه، وكلف اللواء محمد نجيب برئاسة الدولة بينما ارتضى عبد الناصر أن يكون “رئيس مجلس قيادة ” الثورة”.

بعد حين، وقعت محاولة لاغتيال جمال عبد الناصر في 26 تشرين الاول (اكتوبر)1954 أثناء إلقاء خطاب في ميدان المنشية بالإسكندرية، ونالته اصابات طفيفة لم تؤثر على المسار الثوري، ثم اقيل اللواء محمد نجيب، وتولى عبد الناصر موقع القيادة ثم الرئاسة عبر استفتاء شعبي نال فيه ثقة المصريين.

على أن الغرب (بريطانيا وفرنسا)، وبعد تأميم قناة السويس، سرعان ما تواطأ مع اسرائيل فكان “العدوان الثلاثي ” على مصر في خريف العام 1956.

.. ولقد صمدت مصر، بشعبها وجيشها، وذهب جمال عبد الناصر إلى مسجد الازهر الشريف ليخطب في المصريين: سنقاتل، سنقاتل، ولن نستسلم ابداً.

استفز العدوان الثلاثي العرب جميعاً، فنسفت انابيب النفط قبل مصافيها، واوفدت سوريا متطوعين للقتال مع مصر، كذلك تطوع العديد من الشباب العربي، لا سيما من الجزائريين، للمشاركة، في صد العدوان.

وكان النصر عظيماً. وصار جمال عبد الناصر بطل الامة ورمز صمودها وعزتها.

وكنتيجة منطقية لهذا النصر طلبت سوريا، بأحزابها وقياداتها السياسية ورئيسها آنذاك شكري القوتلي، الوحدة مع مصر-عبد الناصر، فولدت “الجمهورية العربية المتحدة” في 21 شباط 1958.

..وللحديث صلة.. وهي مجرد تحية “لأبي خالد” بطل الامة الذي يعيش في وجداننا أبداً..

-للبحث صلة-

Exit mobile version