طلال سلمان

عن تخريب المدرسة الرسمية والجامعة الوطنية

ما أعظم جبروت الشعب متى استعاد وحدته ووعيه بحقيقة ظلامه من اهل الطبقة السياسية ورجال المال والأعمال..

إن الرغيف هو أعظم رموز الوحدة والاجتماع الشعبي.

وكان اللبنانيون يفترضون انهم قد غادروا زمن ذل الحاجة، وان حكايات الاجداد عن “عز الرغيف” والاذلال الذي عاشوه في الحرب العالمية الأولى، وبنسبة اقل في الحرب العالمية الثانية، قد مضى وانقضى وذهب بلا عودة..

بعث الناس ابناءهم إلى المدارس، الرسمية اساسا. وكانت نتائجها في الاصل مبهرة. كان المدير والاساتذة يشعرون بقداسة الرسالة التي انتدبوا أنفسهم لأدائها. وغالبا ما “اجبروا” تلاميذهم ثم طلابهم على الحضور إلى المدارس، حتى في الايام المثلجة.

كانت نتائج الامتحانات الرسمية مبهرة، ومتناسبة مع تعب الاساتذة واجتهاد الطلاب.

وجد ابناء البلدات والقرى في جبل لبنان والجنوب والبقاع والشمال اضافة إلى بيروت الفرصة لكي يؤكدوا اهليتهم وجدارتهم واجتهادهم.. فازوا بالمرتبات الأولى في الامتحانات الرسمية.. وعرفوا طريقهم إلى الجامعة الوطنية بكلياتها المختلفة، خصوصا عندما انشئت في عواصم المحافظات والاقضية… بل أن من استطاع الانتساب إلى الجامعتين الاجنبيتين اللتين كانتا قائمتين في بيروت، قبل أن تفرخ الرأسمالية الجامعات الخاصة والبورجوازية والمدارس الخاصة “الأكثر اناقة” وان ارتفعت اقساطها موفرة لأغنياء المصادقات والرشاوى بالتباهي على ابناء الفقراء.

ان هؤلاء من ابناء اغنياء المصادفات تركونا وراحوا ببطاقات سفر.. بلا عودة!

تدريجياً، اعتمدت سياسة رسمية بإهمال المدرسة الوطنية وتجاهل مطالب اداراتها ومعلميها.. فأخذ مستواها يتراجع كاشفا خطة خبيثة لتزكية المدارس الخاصة ودفع التلامذة والطلاب اليها، مهما بلغت التكاليف على الاهل الذين لن يتخلوا عن مستقبل اولادهم.. كائنة ما كانت كلفته، لا سيما بعدما ساد ترويج اوهام وشائعات عن تدني مستوى المدرسة الرسمية، وتميز المدارس الخاصة بمستواها في التعليم والتهذيب والتنشئة وفق اعلى المعايير الدولية.

ولأنها” دولة الاغنياء والسماسرة وناهبي لقمة عيش الناس” فقد اعتمدت الحكومات المتعاقبة سياسة تشجيع المدرسة الخاصة على حساب المدرسة الرسمية، مدرسة الفقراء.. وهكذا اجبر الناس على نقل اولادهم اليها مكرهين إلى حد استدانة الاقساط.. خصوصا وان اللبنانيين يميلون إلى “القنزحة” والهرب من عيب اتهامهم بأنهم فقراء، لو كلفهم ذلك الاستدانة او تحمل اذلال أقسى بالوقوف امام ابواب الزعماء والوجهاء بطلب الشفاعة لدى اصحاب المدارس الخاصة (او الجامعات الخاصة) لقبول اولادهم فيها، وتخفيض الاقساط ما أمكن.


آن الاوان لان يرفع الشعب صوته بمطالبه المشرعة والمحقة بإعادة تعميم التعليم الرسمي، وتدعيم مؤسساته من أي مدرسة في آخر قرية إلى الجامعة الوطنية التي كلما توسعت وازدادت اعداد فروعها ومبانيها، ضرب الفساد المحصن بالطائفية مواقعها القيادية وقسم طلابها، وخرب الهيئات المنتخبة لأساتذتها.

إن المؤامرة على التعليم الرسمي، من المدرسة إلى الجامعة الوطنية انما تستهدف المواطنين عموما، لا سيما اولئك الذين يأكلون بعرق جبينهم ويحرمون انفسهم مما يشتهون حتى يوفروا لأبنائهم فرصة التعليم العالي..

اما أن الهدف هو تفريغ لبنان من كفاءات ابنائه، ودفع من امكنه السفر إلى الذهاب إلى الخارج بذريعة اكمال تحصيله الجامعي… ثم لا يعود إلى اهله ويكتفي بنظم شعر الحنين إلى “وطن الأرز” بنظامه الفريد الذي خيره بين الموت جوعاً وذلاً او الذهاب إلى البعيد لبناء اوطان الآخرين.

Exit mobile version