طلال سلمان

عن القمة الاقتصادية العربية في بيروت: إلى متى تستمر “مقاطعة” سوريا؟

انتفى الغرض من القمة العربية. كان الهدف منها، بالأصل، جمع من تفرق من الدول لأسباب سياسية، بعضها يتصل بالخوف من “الوحدة” وبعضها الآخر بسبب الخوف من كمائن الدول الكبرى المهيمنة، الولايات المتحدة الاميركية وبريطانيا اساسا، ومعهما وبعدها اسرائيل.

كان التضامن هو الهدف، بداية، ثم صار الهدف مواجهة الكوارث، خصوصا وان آخرها التي انعقدت تلبية لنداء جمال عبد الناصر كانت بسبب التصادم بين العرش الاردني والمقاومة الفلسطينية في عمان في ايلول (الاسود) 1970.

بعد رحيل عبد الناصر، “إنقلب” السادات على سياساته في الداخل بداية، ثم على المستوى العربي والدولي مباشرة بعد حرب تشرين (اكتوبر / رمضان) 1973. بدأت الحرب بإمكان أن يربحها “العرب” وقد تجلت طلائع النصر واضحة على الجبهة المصرية (سيناء) كما على الجبهة السورية (الجولان)، قبل أن يتكشف التواطؤ الذي نسجه وزير الخارجية الاميركي هنري كيسنجر مع السادات لتوقيف القتال على الجبهة المصرية، مما سمح لقوات الاحتلال الاسرائيلي بإعادة احتلال محيط منطقة قناة السويس وتهديد القاهرة، ثم التفرغ لمواجهة الجيش السوري الذي كان على وشك الوصول إلى بحيرة طبريا.

…وكان أن “عوقبت” مصر السادات بترحيل جامعة الدول العربية من القاهرة إلى تونس لفترة انتهت مع اغتيال السادات وتولي حسني مبارك رئاسة مصر. في حين استمر العمل بموجبات “الصلح” مع العدو الاسرائيلي، بما في ذلك “الاعتراف” وتبادل التمثيل الدبلوماسي.

لكن ذاكرة العرب قصيرة.. وهكذا عادت الجامعة العربية إلى القاهرة، وعاد معها الملوك والرؤساء العرب إلى زيارة “جمهورية مصر العربية” وكأن شيئاً لم يكن.

…وعادت القمة العربية إلى الانتظام في انعقادها في شهر آذار (مارس) من كل عام، متنقلة بين العواصم، ومن خلفها قراراتها التي لم تنفذ!.

ثم كان أن تفرع عن القمة قمة عربية ثانية للشؤون الاقتصادية والاجتماعية.. وهي من “ابتكارات” الأمين العام السابق لجامعة الدول العربية عمرو موسى، الذي كان لا يحب البطالة.

تزايدت القمم لكن النتائج ظلت دون المستوى الذي يرضي الحد الادنى من طموح العرب.

صارت كل قمة تعقد بنصف نصابها، ويحل الوزراء محل الملوك والرؤساء العرب، في حين كانت معاهدات الصلح او “التطبيع” مع العدو الاسرائيلي تتزايد ومعها جولات رئيس حكومة العدو الاسرائيلي وسائر مسؤوليه على العديد من العواصم العربية.

باتت المعادلة واضحة: بقدر ما يتناقص التضامن العربي على قاعدة “وحدة المصير” يتزايد النفوذ الاسرائيلي المؤكد للهيمنة الاميركية على المنطقة.

ثم انقسم العرب بين الأغنى والأفقر “فاستقلت” دول النفط والغاز العربية في مجلس التعاون الخليجي، الذي تبدى انشط وأكثر فاعلية من “جامعة الفقراء العرب” في قاهرة المعز القائمة على أنقاض القاعدة البريطانية الكبرى ايام الاحتلال البريطاني لمصر.

…وكان “منطقياً” في الحالة هذه، أن تتمكن قطر ومن تواطأ معها من “طرد سوريا” من جامعة الدول العربية، وهي بين الدول الخمس المؤسسة لها، برعاية بريطانية في البدايات، قبل أن تتحرر مصر بالثورة عام 1952 فتحررها.


صارت “القمة العربية” شكلية، او بعضاً من الفولكلور، تنعقد بمن حضر، وتنتهي بقرارات لا تنفذ..

تفرق العرب ايدي سبأ: لم تعد تجمعهم حتى “القضية المقدسة” فلسطين، لا سيما بعدما ابتدع الضعف العربي “السلطة الوطنية” التي لا سلطة لها بديلاً من التحرير… ثم توالى اعتراف الدول العربية بسلطة الاحتلال الاسرائيلي على فلسطين.

فكيف الحال مع “القمة الاقتصادية” التي لا يشترط انعقادها، في العادة، حضور الملوك والرؤساء العرب.

وأي اقتصاد عربي مع انقسام العرب بين اغنياء حتى التخمة وفقراء حتى العوز؟

كان طبيعياً أن يستشري نفوذ دول النفط والغاز، وان تتهاوى قيمة “دول القرار العربي”، إما بسبب من فقرها، او بسبب من التطورات الدراماتيكية التي ضربت دولة صدام حسين في العراق، او بسبب من الحرب في سوريا وعليها، كما بسبب من الحرب الظالمة التي شنتها السعودية ومعها دولة الامارات على اليمن.. فضلاً عن سقوط الدول العربية الفقيرة، الصومال وجيبوتي الخ سهواً!

وبغض النظر عن الوضع الشاذ في لبنان الذي لا حكومة فيه بعد استقالة الحكومة التي كانت قائمة وتعذر تشكيل حكومة جديدة، فان مناخ الخلاف السائد في المنطقة “منع” ـ مثلا ـ من دعوة سوريا إلى هذه القمة، بذريعة انها ما تزال “مطرودة” من جامعة الدول العربية، كما أن في اليمن “حكومتين” تتنازعان الشرعية بالقوة السعودية ـ الاماراتية، واستمرار الصراع فيها وعليها.

ليس أكثر من مشروعات الوحدة السياسية الا مشاريع الوحدة او الاتحاد او التضامن العربي.. لكن القليل جداً من تلك المقترحات التي تستهدف تحقيق المنافع المشتركة، للعرب في مختلف اقطارهم وتزيد من التعاون والتبادل التجاري في ما بين دولهم المتخاصمة ما تزال حبراً على ورق او عفا عليها الزمن.

فدول الخليج العربي استقلت بقرارها عن سائر الأشقاء.. ولما خرجت قطر على هذا القرار “نبذت” و”حوصرت”، وان ظلت الكويت مفتوحة عليها.

ولقد استمع اللبنانيون، وسائر العرب، خلال هذه القمة الاقتصادية التي غاب عنها مختلف الملوك والرؤساء العرب، في ما عدا موريتانيا وجيبوتي، في حين تم “استبعاد” سوريا تنفيذا لقرار همايوني اتخذته الجامعة العربية بتحريض من قطر لم تسقطه اصوات الاكثرية المعارضة.. وان كان وزير خارجية لبنان جبران باسيل قد القى “قصيدة مديح” لسوريا مطالباً بعودتها، خصوصاً وان في رأس المواضيع المدرجة على جدول اعمال هذه القمة: إعادة إعمار سوريا.. ومعها إعادة النازحين الذين يناهز عددهم المليونين من لبنان اليها.

أما الامين العام للجامعة العربية أحمد ابو الغيط فقال ما مفاده انه لم يحن الحين بعد لعودة سوريا.. ولم يعرف سامعوه “أي حين” يقصده.


الملوك والرؤساء العرب غير معنيين، كما تشهد قمة بيروت، بالاقتصاد والاجتماع في الوطن العربي، فلديهم قضايا ومسائل اهم وأخطر تشغل اوقاتهم واهتمامهم..

..وليس بين اهتماماتهم وحدة الموقف العربي، او بالحد الادنى التعاون عربياً في المجال الاقتصادي الاجتماعي.

وهكذا تصبح الفرقة العربية هي القاعدة، ويزداد العدو الاسرائيلي قوة على قوته، خصوصاً وان العديد من الدول العربية قد اعترف بهذا الكيان المعادي، كما أن رئيس حكومة تل ابيب طمأن الاسرائيليين إلى أن عدداً اخر من هذه الدول في طريقه للاعتراف بالأمر الاسرائيلي الواقع.

فهل من المستغرب أن تكون اسرائيل أقوى من العرب مجتمعين، ليس عسكريا فحسب بل اقتصاديا ايضاً.. ويبدو أن تجميع المنفيين والبؤساء في أوطانهم إلى جانب العنصريين أقرب إلى التحقق من الموحدين لغة وثقافة وهوية وتاريخا وجغرافيا!

إن العرب يحاربون العرب، بغض النظر عن “النظام” القائم، هنا او هناك، مع العلم أن معظم هذه الانظمة مرتهنة للنفوذ الاجنبي، مع ملاحظة أن الاغنى من الدول العربية، يضيق عليها خناق الارتهان أكثر من الدول الفقيرة.. فالمستعمر يريد من يعطيه، لا من يأخذ منه، خصوصاً وان بين شروط وجوده واستمراراً أن يأخذ ويأخذ ويأخذ ليظل الخاضع لاستعماره بحاجة اليه، اقتصادياً، وبالتالي سياسياً وعسكرياً، والاخطر: ثقافياً!

ومن الأسف، فإن القمم الاجتماعية ـ الاقتصادية ليست افضل حالاً وأعظم تأثيراً من القمم العربية السياسية.. ومن المؤسف أن نسمع الأمين العام لجامعة الدول العربية يعلن من بيروت، أي من على مرمى حجر من دمشق، انه “من المبكر” الحديث عن عودة سوريا إلى هذه الجامعة التي باتت ـ منذ وقت طويل ـ تفتقد دورها ومعنى اسمها والغرض من انشائها.. حتى لو سلمنا ـ جدلاً ـ بأن المستعمرين هم الذين “نصحوا” بإقامتها عشية المؤامرة الدولية لإقامة اسرائيل فوق ارض فلسطين وطرد أهلها منها.

.. وفي انتظار عودة الوعي إلى هذه الأمة، واستفاقتها إلى حقائق ذاتها، ومصالحها الحيوية التي لن تتحقق في مناخ “الانفصال” السائد إلى حد “العداء”، بعد المقاطعة وعبر استعداء الاخ للأجنبي ضد شقيقه او اشقائه، سيظل الحديث عن الاقتصاد والمصالح المشتركة معلقاً على اكتاف القادة العرب المختلفين حتى … حافة الحرب.

تنشر بالتزامن مع جريدتي “الشروق” المصرية و”القدس” الفلسطينية

Exit mobile version