طلال سلمان

عن الحرب ـ اللغز بين ملوك النفط والغاز..

لم يفهم العرب، خارج شبه الجزيرة العربية، وحتى داخلها، باستثناء قصور الحكام، الاسباب الحقيقية لحرب “داحس” السعودية مع “الغبراء” القطرية والتي تجاوزت حدود المألوف في الخلافات العربية ـ العربية.. فأقفلت الحدود بين مجموع دول مجلس التعاون وقطر، وقطعت العلاقات الدبلوماسية والاقتصادية وسحب المواطنون الزوار او المقيمون في الدوحة وضواحيها، وأنذر القطريون المقيمون او العابرون في الاقطار الشقيقة بضرورة المغادرة على الفور… ولم يتبق غير أن ينطلق الطيران الحربي وتمشي في حراسته الدبابات ومن خلفها “جنود النخبة” للحرب بين الاخوة الذي تجمعهم إلى صلات الرحم القربى بالنفط والغاز.

ولقد فوجئ العرب الفقراء بالحرب التي تفجرت، فجأة ومن دون سابق انذار، بين الاخوة الاثرياء، والتي لامست حدود النار واستدعت تدخل الاصدقاء الدوليين الكبار، بدءا بإمبراطور الكون دونالد ترامب، مروراً بالصديق الصدوق للعرب السلطان التركي اردوغان وعبرهما نصائح الحريص على وحدة الامة الاسرائيلي نتنياهو..

ابدى فقراء الامة استعدادهم لدفع تكاليف منع الحرب بين الاشقاء الاغنياء الذين لم يهتموا بان يشرحوا لهم اسباب الخلاف او الاختلاف، او بأن يتم استثناؤهم من عواقب هذا الخلاف الذي قد يدمر مستقبلهم من دون ذنب..

استمعوا عبر الاذاعات إلى بيانات حرب الاشقاء فلم يفهموا، وقرأوا الصحف الاجنبية لعلها تكشف لهم الاسرار فقاربتها لكنها لم تقل كل ما تعرفه، وتابعوا حركة موفدي “النوايا الحسنة”، وتصريحات “الكبار”، فأدركوا أن الامر أخطر مما يتصورون، مع انهم لم يعرفوا حقيقته ومصدر خطورته؟.

انتبهوا إلى أن اقدام الامارة المن غاز على الاعتراف بالعدو الاسرائيلي لم تتسبب بأزمة على هذا القدر من الخطورة، وكذلك تبرعها بقاعدة العيديد للصديق الاميركي الكبير لم تحدث مثل هذا الشرخ في العلاقات بين الاخوة.. ولا توسع الامبراطورية القطرية التي أخذها إلى التحالف مع تنظيم الاخوان المسلمين ومحاربة شعب مصر بهم، ولا تدخلها في تونس التي كاد يدفعها إلى حرب اهلية بين الشعب التونسي وجماعة الاخوان، ولا تسليحها العصابات في ليبيا ما بعد القذافي وتشجيعها على تقسيم بلادها الفسيحة إلى دول شتى ليكون لقطر حصة فيها.

هل هذا معناه أن السعودية ودول مجلس التعاون كانت معها في كل تلك الحروب والانفلاش على امتداد الارض العربية وتجاوزها إلى افريقيا وبعض المحيط الهندي فضلاً عن بحر العرب وصولاً إلى مضيق هرمز؟.

وهل لم تكن السعودية ومعها دول الخليج على علم بتبني قطر التنظيمات الارهابية التي تقتل السوريين وتتواطأ مع “داعش” ضد شعب العراق؟! وتفتك، بالأمر السعودي، باليمنيين؟

لكن البيانات الرسمية السعودية اغفلت هذا كله ولم تشر اليه في اسباب الحرب لتي اعلنت من دون سابق انذار على الشيخ القطري تميم بن حمد آل ثاني الذي تجاوز بطوله الملوك والامراء فحق عليه العقاب بان يمشي منحنياً حتى لا يتبدى وكأنه المتقدم بين متساوين؟

ربما لهذا كله، من ضمن اسباب كثيرة أخرى، لم يفهم سائر العرب اسباب هذا الصراع الذي تم تفجيره، فجأة، فكاد يذهب بمجلس التعاون الخليجي، واستولد مناخاً حربياً بين الاشقاء الاغنياء الذين انفصلوا كلية عن اخوتهم الفقراء وانكروا صلة القربى منهم.. وتآمروا عليهم احيانا.

انها حرب غير مفهومة، وغير مبررة، بالنسبة لمن تابع البلاغات الحربية المتتابعة والتي استولدت حالة طوارئ في المنطقة العربية جميعاً وكشفت كم تحتقر القيادات العربية المطهمة شعوبها فتفرض عليها حروبا لا تفهم اسبابها ودواعيها مع اشقاء كانوا، حتى الامس القريب جداً، موضع حفاوة في الرياض وبصموا على البلاغات الحربية والبيانات السياسية الصادرة عن قممها الثلاث وعادوا منها مشبعين بالدعاء: طال عمرك..

أن الاخوة المذهبين، لا يشركون اخوتهم الفقراء في عواطفهم ولا في نواياهم ولا في مشاريع تحالفاتهم السياسية ولا في حروبهم التي تبقى اسرارها ملكا للسيد الاميركي وحده.

ولن نُفاجأ غدا اذا ما نجح امير الكويت، وهو الخبير المحلف في ابتكار الحلول للازمات المستعصية على التسوية في “رأب الصدع” بين السعودية ومن معها وقطر وما عليها..

وربما كان الحل أن يطوي الشيخ تميم نفسه في المؤتمرات واللقاءات مع الملوك والامراء حتى لا يتبدى اطول منهم فتتركز عليه الكاميرات ويعامل وكأنه الاهم والاخطر والاوسم بين اهل القمة وفيهم من يتعثر في مشيته، ومنهم من تحجب لحيته الكثة ملامح وجهه ومنهم من تتسع عيناه لألف ثعلب وثعلب.

Exit mobile version