طلال سلمان

عن الحرب الاميركية ـ الايرانية على الارض العربية: مراجعة للسياسات العربية تجاه “الثورة الاسلامية”..

منذ أن تفجرت إيران بالثورة الاسلامية بقيادة الامام روح الله الموسوي الخميني تبدى العداء واضحاً للولايات المتحدة الاميركية والعدو الاسرائيلي، وبالدرجة الثانية الاتحاد السوفياتي.

أقدم أنصار الثورة على احتلال السفارة الاميركية في طهران، كما طُرد السفير الاسرائيلي ومعه “الخبراء الاسرائيليون” في مختلف المجالات، وكان منهم خمسمائة “خبير” في وزارة الزراعة وحدها. وكان مبنى السفارة الاسرائيلية يحتل نصف شارع اساسي في طهران، وقد جعلتها الثورة مقراً لسفارة فلسطين.

ولقد استقبلت الجماهير العربية هذه الثورة بالترحاب والتأييد خصوصاً وان الشاه كان في نظر هذه الجماهير حليفاً للعدو الاسرائيلي ولمشروع الهيمنة الاميركية على المنطقة بكاملها، بالاستناد الى قاعدته في فلسطين المحتلة ومعها بعض الانظمة العربية التي كانت “تناصر” الشاه خوفاً، أو طمعاً بالرضا الاميركي.

كانت هذه الجماهير تحتفظ في ذاكرتها بصورة “البطل”… لمحمد مصدق الذي أقدم على تأميم النفط في إيران، وتهديد حكم الشاه الذي هرب من البلاد، ولم يعد الا بعد أن رتبت المخابرات الاميركية انقلاباً على مصدق وانهاء مشروع التغيير الثوري في “بلاد فارس”.

على أن دول الخليج العربي، والسعودية بالتحديد، قد هادنت النظام الجديد رافع شعار تحرير فلسطين وخالع الشاه الذي كان يهددها ويبتزها سياسياً ومالياً، ويعامل “العرب” اجمالاً على انهم “بدو متخلفون”، ولا يستحقون شرف أن يكونوا من “رعاياه”.

لكن هذه المهادنة لم تستمر طويلاً فبدأ فتح الملفات الخلافية: موضوع الجزر الثلاث التابعة لدولة الامارات والتي وضعت إيران الشاه يدها عليها، وفضل الشيخ زايد بن سلطان رئيس الدولة، التغاضي عن الموضوع لان “ليس لنا القدرة على مواجهة إيران”.

في أي حال، لم تتأخر ايران ـ الثورة، وتحت شعار تحرير فلسطين، عن التحرك لنشر روح ثورتها الإسلامية في محيطها العربي، خصوصاً وقد وجدت في سوريا حافظ الاسد الذي كان السادات قد تخلى عن شراكته في حرب العاشر من رمضان (السادس من اكتوبر تشرين الاول 1973)، حليفاً رئيسياً في المشرق العربي.

عبر سوريا وبالاعتماد على الحساسيات الطائفية، باشرت ايران دعم المقاومة الاسلامية ـ “حزب الله” ـ في لبنان الذي شكل طليعة مقاومة الاحتلال الاسرائيلي لجنوب لبنان.. وقد استجاب الآلاف من شباب الطائفة الشيعية في الجنوب اساسا والبقاع (بلاد بعلبك) وضواحي بيروت الجنوبية إلى هذه الدعوة للجهاد، ونشأ “حزب الله” الذي قدم تضحيات غالية من اجل تحرير الارض.. حتى تم ذلك في 25 ايار (مايو) العام 2000.

وهكذا تعاظم نفوذ ايران، باعتبارها “شريكه” في التحرير، وان كانت هذه الشراكة تمت بتسهيلات مفتوحة قدمتها سوريا..

خلال هذه المدة كان صدام حسين قد ورط العراق في حرب بلا افق ضد الثورة الاسلامية في ايران، استمرت لسبع سنوات قاسية، انتهت بهزيمة ايران من دون أن يكون ذلك نصراً خالصاً لصدام.. خصوصاً وان نفوذ إيران الذي كاد يتحول إلى تحالف مع سوريا ـ حافظ الاسد قد مكن “حزب الله” في لبنان من التحول إلى قوة عسكرية استراتيجية بقدرات ممتازة اهمها استعداد الشباب المؤمن للاستشهاد تحقيقا لما يؤمن به.

بعد ذلك قام صدام حسين بمغامرته الثانية، فأقدم على احتلال الكويت في اوائل العام 1992، مما استنفر الدول العربية والغرب بالقيادة الاميركية، فأقيم تحالف عسكري ضخم عربي ـ غربي نجح في تحرير الكويت واحتلال بعض العراق..

ثم كانت الضربة القاضية لنظام صدام حسين عبر شن الاميركيين حرباً شاملة ضد العراق دمرت عمرانه وفككت جيشه تحت اثقال الهزيمة.. لكن صدام حسين تمكن من أن يظهر كبطل قومي وهو يتقدم إلى حبل المشنقة يحيط به بعض الغوغاء من “الشيعة” الذين عانوا الكثير من “تعصب” صدام، علماً بان العراقيين جميعاً قد دفعوا من بلادهم وحريتهم ثمناً لطغيانه..

*****

كان الوجه الآخر لهزيمة صدام حسين في العراق تعاظماً للنفوذ الايراني في سوريا، ولبنان حيث كان “حزب الله” كان قد بات قوة سياسية مهمة برصيد إضافي نتيجة دوره البطولي في اجلاء الاحتلال الاسرائيلي عن الارض اللبنانية التي كان احتلها وتوسع في احتلالها تدريجيا، حتى كانت حربه على لبنان والمقاومة الفلسطينية فيه (وبعض الجيش السوري) في صيف العام 1982.

ومنذ ذلك الوقت بدأ جهاد “حزب الله” ضد العدو الاسرائيلي، بدعم ايراني مباشر، عبر سوريا وبتأييد منها، يزيد من رصيد ايران.. لا سيما بعد اسقاط صدام حسين في العراق وتقدم النفوذ الايراني فيها من خلال العداء المعلن للهيمنة الاميركية، داعمة اسرائيل، والمعادية لحرية الشعوب.

صارت ايران، كأمر واقع، موجودة، سياسياً وعسكريا، في سوريا، وفي لبنان (ولو عبر دعمها لـ”حزب الله”)، وفي العراق عبر دعمها لبعض القوى السياسية فيه (لا سيما في اوساط الشيعة).

في هذا الوقت كانت القضية الفلسطينية تفقد بعض قداستها، نتيجة عجز الكفاح المسلح عن انجاز التحرير، خصوصاً بعد ابتداع “السلطة” وتحول من كانوا مجاهدين انطلاقاً من الدول العربية المجاورة لفلسطين إلى شرطة تخضع ـ عمليا ـ لسلطة الاحتلال.

ولقد وجدت ايران، في هذه الفترة اكثر من تنظيم فلسطيني بحاجة إلى دعمها لتبقى راية الكفاح المسلح مرفوعة، وهكذا اغدق الايرانيون مساعدات مهمة (تسليحاً وتمويلاً) على بعض هذه المنظمات (“حماس” و”الجهاد”)..

بالمقابل كانت الانظمة العربية المعنية تتنبه ـ بتحريض اميركي معلن ـ إلى خطورة هذا “التغلغل الايراني”.. فهبت تقاتل “النفوذ” الذي تمادى متقدماً من بغداد إلى سوريا فإلى لبنان مع دغدغة مشاعر “الزيود” في اليمن وتشجيع تنظيمهم بقيادة الحوثيين، وتسليح خصوم النظام الذي انتهى بعد اسقاط الرئيس المغدور علي عبد الله صالح في احضان السعودية، والامارات استطراداً.. وكلتا الدولتان تقاتلان منذ أربع سنوات او يزيد بذريعة مواجهة الحوثيين في حين يدمر العمران ويتساقط القتلى والجرحى، اطفالاً ونساء وشيوخاً بالرصاص، بينما تفتك الكوليرا بالأطفال.

*****

ها هي الولايات المتحدة الاميركية تندفع إلى “الحرب” مع ايران، من دون أن تعلنها رسميا.. وان كانت ادارة ترامب قد اعلنت انسحابها من الاتفاق النووي مع طهران، كمدخل إلى حصار كامل “للتمدد الفارسي”!

بالمقابل ترتفع لهجة بعض الدول العربية في تأييد ترامب، وتشارك في حصار إيران، و”تطارد” نفوذها في العراق، اساساً، كما في سوريا، وتقاتلها ـ مع السعودية ومعظم دول الخليج العربي ـ في اليمن، مؤيدة الموقف الاميركي حتى حافة الحرب.

على أن سوريا التي تعاني من الحرب المفتوحة فيها وعليها، ما زالت في موقع الحليف مع إيران.. كما أن “حزب الله” الذي بات اقوى حزب سياسي، على المستوى الشعبي في لبنان، لا يخفى استعداده لقتال خصوم ايران في المنطقة، بالقيادة الاميركية والتحالف الوطيد مع “دولة يهود العالم” في فلسطين، اسرائيل..

واذا كان ثمة “تحالف ما”، ولو موضعي، يربط بين الروس وايران في سوريا، فان واشنطن بدأت تجاهر باستعداد لمواجهة النفوذ الايراني في العراق.. والازمة الوزارية الراهنة، في بغداد، دليل واضح على التحول من المهادنة إلى المخاصمة..

..والعرب، كالعادة، يغطون في سبات عميق، وقد نسوا وتناسوا فلسطين، وهجروا النضال، فضلاً عن الكفاح المسلح.. اقله حتى اشعار آخر!

تنشر بالتزامن مع جريدتي “الشروق” المصرية و”القدس” الفلسطينية

 

 

Exit mobile version