يرحل البسطاء مجلّلين بمهابة الصمت والحزن النبيل.
يرحل الرجال الذين تميّزوا في حياتهم بالإباء وبقوة الشكيمة بهدوء مستفز: انهم يرفضون الشفقة، ويكرهون النحيب ولا يهربون من أقدارهم.
امس، رحل عمّنا مهدي اسعد ابراهيم سلمان.
رحل »أبو فوزي«.
تأمل من حوله للمرة الاخيرة، ابتسم بصعوبة من خلال دموعه لأنه استذكر، ابناءه الغائبين في البعيد، ثم لوّح بيمناه تحية الوداع قبل ان يغمض عينيه ليبدأ الهجرة التي لا رجعة منها.
كان المطر الصباحي قد توقف قبل قليل، وانتشر عطر الارض المندّى ترابها بالغيث كالشذى.
وحين ارتفع صوت الناعي من مئذنة البلدة وجمت شمسطار تحية وداع لواحد من »رجالها« الذين سوف تظل تذكرهم وتستعيد مواقفهم كلما تناولت المجالس سير الرجال الذين تركوا بصماتهم على ذلك المجتمع الفقير إلا بعزة نفسه، والذي أتعب اهله التعب وما تعبوا ولا داخلت اصواتهم الغليظة مسحة من الذلة او الاستكانة.
في الافراح كما في الاتراح كان »ابو فوزي« الاول حضوراً ومشاركة وادارة واداء للواجب،
اما متى ارتفعت الصيحة »وين راح الشباب« او »جا الرشاش عليكم يا أهل شمسطار«، فلقد كان »ابو فوزي« واحدا ممن يسبقون الصوت لرد الضيم وحماية ما يراه »شرف الضيعة«.
ذلك زمان آخر، كان له رجاله، الذين كانوا يتصرفون من داخل قيمهم وأعرافهم التي نشأوا عليها وحموها لتكون الارث الطيب لأبنائهم.
امس، الجمعة، وبعد صلاة الظهر بقليل، وقبل صلاة العصر بقليل رحل عمّنا »ابو فوزي«، ملتحقاً بالطيبين من اهلنا الذين انصاعوا لقضاء الله راضين مرضيين.
بعد »الحاج محمد« و»ابي طلال« ها هو »ابو فوزي« ينتقل من دار الفناء الى دار البقاء.
لقد استطالت رحلة العذاب، وأمضّه الصمت الطويل وأوجعه الغياب والرقود الساكن فوق سرير الألم،
لقد آن للفارس ان يترجّل، وها قد ترجّل عمّنا »ابو فوزي«، فالحمد لله، ولا حول ولا قوة إلا بالله، وانا لله وانا اليه راجعون.
طلال سلمان