طلال سلمان

عمرو موسى هل خرفت …!!؟؟

اعترف اني كنت من الصحفيين الذين احبوا الامين العام لجامعة الدول العربية السابق عمرو موسى حين كان وزيرا لخارجية مصر يقود السياسة المصرية بنفس عربي يعرف حجم مصر الكبير ودورها القيادي في عالمنا العربي.

وكانت لعمرو موسى “كاريزما” تجعله نجما دائما في المؤتمرات العربية وجعلته يحرك ركود الجامعة العربية لبضع سنوات محاولا ان يجعل لها دور في العمل العربي المشترك.

وعمرو موسى كان يحب الصحفي المحترف ويحترمه، ولكن ما كان يجمعنا غير علاقة “الاحترام” المتبادل بين الصحفي والمسؤول، شيء اهم، وهو حبنا لعروبتنا وايماننا بها، عمرو موسى عرفته عروبيا ناصري الهوى، لذا احببته، ولا تمر مناسبة مؤتمر عربي الا ونلتقي عندما كان وزيرا متميزا لخارجية مصر، وبعدها حين اصبح امينا عاما لجامعة الدول العربية.

بعد المشكلة التي اثارها للعدو الاسرائيلي حين ذهب لزيارة قطاع غزة ورفض ان يفتش جنود الاحتلال على المعبر سيارته وقيام مرافقه الخاص عبد الحكيم بالاشتباك مع احد جنود العدو قابلته في الرياض وكانت اغنية شعبان عبد الرحيم “انا بحب عمرو موسى وبكره اسرائيل” تتردد في مصر وغيرها قلت له “لو تترشح الان لرئاسة الجمهورية في مصر، لينتخبك المصريون كلهم دون تردد”، فرد علي ضاحكا: “الله يعمر بيتك ماتوديناش في داهية مع الريس”، ورافقته في احدى المرات برحلة بالطائرة من الرياض الى القاهرة، وخلالها حدثني عن “هواه الناصري” وانه لولا عبد الناصر ومجانية التعليم التي اقرها عبد الناصر، لما استطاع هو وامثاله اتمام دراستهم الجامعية، حدثني عن حياته وعن ان اهم لحظة عاطفية في حياته كانت ليلة فرح ابنته لحظة جاء ليسلمها الى عريسها وقال “لم استطع ان امنع لحظتها الدموع ان تنهمر من عيني” واستغربت منه ذلك الى ان جربت انا الموقف شخصيا ليلة فرح ابنتي ووجدت نفسي مثله ابكي ولا ادري لماذا.

وكنت اعتقد بعد ثورة 25 يناير ان عمرو موسى سيفوز في انتخابات رئاسة الجمهورية، (لانه كان معروفا بمعارضته لسياسات رئيسه حسني مبارك الذي عزله من منصبه كوزير للخارجية، ليصبح امينا عاما للجامعة العربية وفي المنصب الاول كان اقوى نفوذا من منصبه الثاني)، ولكن من فاز بالانتخابات الرئاسية عقب الثورة الاخوان المسلمين الذين سرقوا ثورة 25 يناير وتضحيات شباب مصر الذين اعتصموا في ميدان التحرير وواجهوا بصدورهم قوات وزارة الداخلية، واستفرد الاخوان بحكم مصر يريدون حكمها وفق مشروعهم الذي رفضه الشعب، فاعطوا المبرر للعسكر لينقلبوا ليس على حكم الاخوان فقط بل على الثورة ايضا، ويستعيدوا حكم مصر.

وحين سار عمرو موسى مع الرئيس السيسي في انقلابه على الاخوان المسلمين، لم استغرب ذلك، ولكن مااستغربته انه شارك في الانقلاب على ثورة 25 يناير، حين شارك في عضوية اللجنة التاسيسية لوضع الدستور الجديد الذي اعاد لحاكم مصر سلطاته المطلقة.

وبرغم ذلك بقيت احترمه لعروبته، ولكن ان يصدر عمرو موسى كتابه او مذكراته عن مصر متعرضا لفترة عهد الرئيس جمال عبد الناصر، ويتعرض للرئيس الراحل (الذي كان عهده هو العهد المضيء في عالمنا العربي)، فهذا اخر شيء كنت اتوقعه منه، وهو الذي عاش فترة العهد الذهبي لمصر ايام عزها وبهائها، وهو يعترف بذلك بقوله “انه بحكم عملي بوزارة الخارجية كنت مطلعا على دور مصر في العالم الخارجي وكنت مليئا بالفخر بهذاء البهاء الذي يحيط بمصر واسمها وبجمال عبد الناصر”، ويضيف ان “مصر في عهد عبد الناصر كانت الحياة فيها سهلة، فلم يكن هناك ما يشكو منه المرء، وكانت مرافق الدولة لاتزال لابأس بها، وعدد السكان كان معقولا”.

وينسى وهو الديبلوماسي والسياسي المحنك والذي عايش وتعامل مع معظم الازمات العربية انه بسبب بهاء مصر وزعامتها لامتها العربية ضربوا مصر وسببوا لها نكسة او هزيمة يونيو 1967، ويتناسى ـ وان كان قد اشار اشارة عابرة الى بيان 30 مارس 1968 ـ ان عبد الناصر بدأ بعد ان رفض الشعب المصري تنحيه وطلب منه البقاء رئيسا عبر مظاهرات 9 و10 يونيو بدأ عملية تغيير شاملة لانقاذ مصر وبدأ بالجيش الذي اعده لمعركة التحرير مبتدئا بحرب الاستنزاف، ويعطي السيد عمرو موسى الفضل بحرب التحرير الى الرئيس انور السادات “التي اتخذ قرارها وقادها” ويقصد حرب اكتوبر 1973.

ومن هنا يرى ـ وانا مستغرب ذلك منه ـ ان هزيمة 1967 التي سببها عبد الناصر هي سبب المآسي والنكبات التي تمر بها الان امتنا العربية رغم مرور خمسين عاما عليها، والادهى، والاكذب في كتابه ادعائه ان الزعيم الراحل (الذي حتى اعدائه لم يستطيعوا ان يتهموه بالفساد الشخصي) كان يهتم بنظام غذائه، “ولذلك كان من يخدمونه يرسلون من وقت لأخر من ياتي له باصناف معينة من الطعام الخاص بالرجيم من سويسرا، وكانت اشياء بسيطة ترسله له السفارة المصرية في سويسرا”.

هذا الكلام قراته في صفحات مذكرات عمرو موسى لم اصدق انه جاء من عمرو موسى، (الذي بالفعل ناصر القضية الفلسطينية والشعب الفلسطيني اثناء ادارته للديبلوماسية المصرية).

ما جاء في كتابه حول معاركه السياسية والديبلوماسية “لإصلاح العلاقات المصرية ـ العربية” وايمانه بان “مقاربة القضية الفلسطينية من منظور حفظ امن اسرائيل، اكبر خطر يهدد الامن القومي المصري” كل هذا لايشفع له ما كتبه مشككا في عبد الناصر وعهده.

مذكراته في جزئها الاول بعنوان “كتابيه” تجعلني اقول ان الرجل اصابه خرف اخر العمر، فليس هذا عمرو موسى الذي عرفت واحببت.

عمرو موسى انت الان، مثلك مثل مصر الان، فهذه ليست هي مصر التي عرفناها واحببناها وامنا بها.

Exit mobile version