… وجاءت الخاتمة الطبيعية التي أرادها عماد الأسعد المحطة الأخيرة في رحلة العذاب التي استطالت أكثر مما يطيق: دخل قوقعة وحدته ولفظ أنفاسه فيها بغير وداع.
لا الماضي البعيد الذي تحول إلى ذكريات مرة يصلح ملجأ من الحاضر القاسي بالوحدة فيه، ولا المستقبل الذي انتثر في المغتربات يأخذ إلى الفرح… فكيف يمكن التخفف من أثقال وجع الوحدة مع أطياف الذين غيبتهم خيبة الأمل فغيبوا معهم سنوات الصبا والجمال والأمل المنشود وزادوا من عمق الإحساس بالفجيعة.
ليس أقسى من أن تعيش وحيداً مع ذكرياتك التي تستعصي على النسيان، وأن يتحول اسمك إلى عبء عليك وقد كان ـ وعلى امتداد مئات السنين ـ مصدر فخار وعنوانا لتاريخ البطولة في مواجهة الاستعمار، تركيا كان أم فرنسيا! وكيف يمكنك حمايته، ثم حماية نفسك منه بعدما «دار الفلك» وعجز «الكبار» عن فهم التحولات فتصدوا لعاصفة التغيير وكان على المؤمنين بضرورة العيش في العصر أن يدفعوا الثمن، وهكذا قيض لهم أن يكونوا الضحية مرتين.
لقد بنى عماد الأسعد رصيده الشخصي باجتهاده الشخصي، وبإصرار على طلب التعليم بسهره، وبالود الذي كان صادقاً فيه مع الناس. وحين ترك وزارة المال كان رصيده المعنوي أعظم من كل الثروات غير المعروفة المصدر التي دقق فيها، ثم «ضيع» التدقيق وزاد المخالفون ثراء، وأضيف إلى الخيبة الوجع.
كانت «الحاجة بهية» مصدر توجيهه، خصوصاً وقد اضطرت لأن تكون الأم والأب وأصفى ما في العائلة، والأكثر تنبها إلى التحولات… وهي قد أدركت أن النسب قد يتحول إلى عبء، ولا بد من بناء الحاضر بمعزل عنه، ومن اكتساب المكانة بالجهد والصدق والود مع الناس، مما يعيد الاعتبار للاسم ذي الوهج التاريخي بتأكيد الجدارة الشخصية مما يضيف إلى الرصيد القديم بدلاً من التنكر له والهرب من أعبائه.
هو قدر الله. وعماد الأسعد كان قد اختار قدره.
رحمه الله في وحدته، والهم أبناءه وعائلاتهم وشقيقتيه وسائر الأقارب والأنسباء والأصدقاء الصبر والسلوان… وإنّا لله وإنّا إليه راجعون.